تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - ما هو المفهوم الشرعي للنبي، وما أوجه التشابه وأوجه الاختلاف ما بين النبي والرسول لا من ناحية العموم والخصوص فقط بل من ناحية المفهوم ككل، بمعنى ما المفهوم الشرعي للرسول وما المفهوم الشرعي للنبي.

فبالنسبة لكلمة الوحي وأصلها اللغوي فإن العلماء يذكرون أن الكلمة تدور حول:

الإعلام في سرعة أو خفاء، بمعنى الإعلام السريع أو السريع الخفي.

ومن هذا المعنى اللغوي لهذه الكلمة جاءت استخدامات القرآن الكريم لهذه الكلمة في بعض الآيات منها:

1 - (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)

والذي يعبر عنه بعض العلماء بالإلهام الغريزي للحيوان، أي أن الله عز وجل أعلم هذه الحشرة بطريقة خفية وسريعة بكيفية الاهتداء لسبل عيشها.

2 - (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ).

وهنا عبر عن الوسوسة بالوحي، لأنها إعلام خفي وسريع من الشيطان، وهذا ما يستشعره كل إنسان إلا من عصم الله.

3 - (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً).

قال المفسرون: خرج زكريا على قومه فأعلمهم بإشارة سريعة مفهمة لهم وقد تخفى على غيرهم أن يسبحوا بناءا على أن آيته أن يمتنع عن الكلام ثلاثا إلا رمزا.

4 - (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا).

فهذه الآية تفيد أن الله يعلم ملائكته إعلاما سريعا يخفى علينا بما يريد من تنفيذ أمر أو غير ذلك كما في آيات أخرى.

فهذه الآيات جاء إطلاق الوحي فيها مراعيا أصل المعنى اللغوي، ولم يأت فيها بمعناه الاصطلاحي الخاص.

فإن الأمر في الآيات الثلاث الأولى هين وواضح.

أما الآية الرابعة [أي في حق الملائكة] فإن الأمر يتضح إذا ربطناها بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ ولو بالمفهوم ـ وعن الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما من إثبات انقطاع الوحي بعد وفات نبينا صلى الله عليه وسلم، فلو كان هذا الوحي الذي أنقطع [والذي أزعم أنه هو الاصطلاحي كما سأبين فيما بعد] يدخل فيه الوحي للملائكة لأدى ذلك بنا إلى القول بأن وحي الله لملائكته قد انقطع أيضا، ونحن نعلم أن الله لم يزل يوحي لملائكته بتنفيذ أوامره ونحو ذلك.

نستنج مبدئيا مما سبق أن مجرد مجيء لفظة الوحي أو إيحاء الله عز وجل لمخلوق ليست كافية لأن نثبت له النبوة أو الرسالة.

أما الوحي بالمفهوم الاصطلاحي [أي بمفهوم خاص محدد جاء به الشرع من خلال مصدريه] فإنه أمر خاص فيما أحسب بإعلام الله عز وجل لجنس من البشر، بدليل أن بعد وفات نبينا قد انقطع الوحي ـ كما سبق وأن بينت ـ ولم ينقطع عن الملائكة فضلا عن الحيوانات كلا بحسب مفهومه سابق الذكر.

فهل هذا الوحي الاصطلاحي خاص بالرسل والأنبياء أم قد يتعداه لغيرهم من البشر بالذات الصديقين والصالحين؟

لا نستطيع الإجابة على هذا السؤال إلا إذا استعرضنا مجموعة من الآيات التي جاءت فيها كلمة الوحي سواء في حق الرسل والأنبياء أو في حق الصديقين والصالحين مع مراعاة أن هذه الكلمة حتى في حق البشر قد تأتي بالمعنى الاصطلاحي وقد تأتي بحسب أصلها اللغوي وهو الإعلام السريع أو الخفي.

فلو أتينا لاستخدامها في حق من ثبتت نبوتهم بالإجماع متأملين في العناصر الرئيسية والمقاصد المشتركة لتلك الآيات مع أنها وردت في حق أكثر من نبي نلاحظ الآتي:

1 - أن الهدف الأساسي من إيحاء الله للأنبياء هو التبليغ أي تبليغ مضمون الوحي للناس وهدايتهم وإنذارهم من خلاله. قال تعالى:

(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ)

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير