3 - وهنالك قول ضعيف مفاده: أن الرسول من أوحي إليه وأمر بتبليغ ذلك، أما النبي فهم من أوحي إليه ولم يؤمر بتبليغ ذلك.
وأعتقد أن هذا القول لا يتفق مع دلالة كثير من الآيات الدالة على أن التبليغ غاية من غايات بعثة الأنبياء والمرسلين على حد سواء كما مر معنا.
والآن أعتقد أننا نستطيع أن نصل إلى المفهوم الاصطلاحي للوحي والذي يتفق مع استخدامات الآيات القرآنية لهذه الكلمة، ويتفق مع إثبات انقطاع الوحي بعد وفات نبينا صلى الله عليه وسلم، وكذلك يتفق مع مفهوم النبي والرسول:
فالوحي اصطلاحا: هو إعلام الله لنبي من أنبيائه ما شاء أن يعلمه به من أمر غيبي أو حكم شرعي أو نحوه.
فمن هذا المفهوم يتضح لنا أن الوحي بالمعنى الاصطلاحي خاص بالأنبياء وأن الغرض منه بالدرجة الأولى أن يبلغ مضمونه للأمة التي أرسل لها ذاك النبي أو الرسول.
ويدل على ذلك قوله تعالى:
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ). فالنبي في حقيقته بشر، لكن من أهم ما يفرقه عن غيره من البشر أنه يوحى إليه بالمفهوم الاصطلاحي والله أعلم.
وهنا نأتي لأهم مسألة في الموضوع وهي:
هل الآيات التي ذكر فيها الوحي بالنسبة للصديقين والصالحين [أو من قيل إنهم أنبياء عند البعض] جاء فيها الوحي بمعناه اللغوي أم جاء بمعناه الاصطلاحي الخاص بالأنبياء؟
لنعرض تلك الآيات أولا ثم لنتدبرها:
1 - (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
2 - (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي).
إذا تدبرنا الآيات في حق أم موسى فنلاحظ التالي:
1 - ليس في الآيات أمر من الله بتبليغ ما اوحاه الله لأم موسى والنبي لا بد أن يكون مبلغا كما سبق بيانه.
2 - أن الوحي الذي أوحاه الله إليها مرتبط برسول وهو موسى عليه الصلاة والسلام ومتعلق بشؤونه، فنستطيع أن نقول لولا موسى لما أوحى الله لأمه.
3 - أن الآية لم تصرح بطريقة ذلك الوحي ولا يوجد في الآية ما يرجح أنه بواسطة الملك، فمن المحتمل أن الله ألهمها ذلك وقذف ذلك المعنى في روعها.
لذلك يعد بعض العلماء ذلك من جملة الوحي بمعناه اللغوي ويعبرون عنه بالإلهام الفطري الإنسان.
لذلك لا نستطيع أن نستدل بهذه الآيات على نبوة أم موسى.
1 - (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)
2 - (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً)
وإذا تدبرنا الآيات في حق مريم فنلاحظ التالي:
1 - أن الآيات صرحت بأن الله أوحى إليها بواسطة الملك بل بواسطة جبريل عليه السلام.
2 - ولكن ليس في الآيات أمر من الله بتبليغ ما أوحاه الله لمريم، والنبي لا بد أن يكون مبلغا، بل كان منها عكس ذلك، حيث امتنعت عن الكلام، بل أمرت من قبل الله بذلك قال تعالى:
(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً)، وعندما جاءت بوليدها وقال لها قومها ما قالوا أيضا لم تتكلم [لم تبلغ] بل أشارت إليه وقام عيسى عليه السلام بالتبليغ لأنه نبي مرسل، قال تعالى:
¥