ـ[رياض بن سعد]ــــــــ[15 - 06 - 04, 03:18 ص]ـ
تابع لما سبق
=============
الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد أصحاب التصاوير بأحاديث كثيرة , أشهرها خمسة:
الحديث الأول: حديث أبي هريرة في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه قال: " ومن
أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي , فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة ".
الحديث الثاني: حديث ابن عباس في الصحيحين مرفوعا: " من صور صورة في الدنيا , كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ ".
الحديث الثالث: حديث عائشة في الصحيحين , أن ام حبيبة ,أم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها في الحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا , وصوروا فيه تلك الصور , أولئك شرار الخلق ".
الحديث الرابع: حديث عائشة في الصحيحين:" أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى لله عليه وسلم قام بالباب فلم يدخل قالت: فقلت يا رسول الله: أتوب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ماذا أذنبت؟ فقال: " ما بال هذه النمرقة؟ إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون , فيقال لهم أحيوا ما خلقتم ", وقال: " إن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه الصور ".
الحديث الخامس: حديث أبي جحيفة عند البخاري " أن رسول الله صلى لله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب , وكسب البغي , ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور ".
فهذه احاديث تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المصور " أظلم الخلق " , وشر الخلق " وذكر أنه ملعون , وأنه يؤمر بنفخ الروح في الصور فيقال له " أحي ما خلقت " , ولا شك أن الامر بإحياء الصور أمر تعجيزي لا يكون إلا لأمر محرم.
والجواب من أوجه:
الوجه الأول: أن الذين قالوا بدلالة هذه الاحاديث على تحريم الصور مختلفون في التعليل , فقالت طائفة منهم: العلة في ذلك المضاهاة , وقالت طائفة أخرى: العلة سد الذريعة " أي سد باب التذرع بصنعها إلى عبادتها ".
فأما من علل بالمضاهاة: فأشكل عليه أمر الصور الممتهنة ولعب الأطفال , فإن إذن الشارع فيهما دال على بطلان التعليل بذلك , لأن المضاهاة التي يفهمونها لا ينفك عنها هذان النوعان المباحان.
وأما من فرق منهم بين الصور التي لها ظل والتي ليس لها ظل وجعل المضاهاة متحققة في الصور التي لها ظل لأنها مشابهة لخلق الله من جميع الجهات , فيلزمه إباحة الصور المسطحة إلا أن يقرن إلى تعليلة التعليل بسد الذريعة , وحينئذ فله كلام يأتي إن شاء الله.
ثم يقال لمن علل بالمضاهاة والمشابهة: إن مخلوقات الله كثيرة متنوعة منها ما له روح ومنها ما ليس له روح , فمن صوّر الجبال أو الشجر أو البحار فإنه على ما تفهمون من المضاهاة؛ مضاهٍ لخلق الله , مع أنه فعل أمرا مباحا بإجماع االعلماء , وقد كان مجاهد يمنع من تصوير الشجر المثمر , لكن قال عياض: لم يعرف هذا عن غيره.
وعلى ذلك فمن فهم من هذه الأحاديث تحريم الصور مطلقا معللا بالمضاهاة فليزمه تحريم تصوير الاشجار والجبال والأنهار ونحو ذلك , ولا محيد عن ذلك إلا أن يفهم المضاهاة الفهم الذي يوافق المقصود الشرعي والمقصود اللغوي وهو أن المضاهاة هي: مساواة الخالق بالمخلوق , أو مساواة المخلوق بالخالق , وذلك بأن يصرف شيئا من العبادة أو التعظيم إلى غير الله.
ومن تأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم:" الذين يضاهون بخلق الله " وقوله:" الذين يشبهون بخلق الله " , عَلِمَ عِلمَ يقين أن هذا هو المراد , فإن العرب لا تدخل الباء على المفعول به , فلا يقولون:" كسرت بالزجاجة " إذا كان في الكلام مفعول إما مذكور وإما مذكور وإما محذوف في حكم المذكور فيقولون مثلا: " كسرت بالزجاجة رأسه ".
وهاتان الروايتان: متضمنتان لمفعول معلوم , لأن أصل الكلام – والله أعلم – " الذين يضاهون الله بخلق الله ", و " الذين يشبهون الله بخلق الله ".
¥