قال الحافظ في (الفتح)) (10/ 275): "وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه " ثم قال: " ويَتَّجه المنع أيضاً في الإسبال من جهة أخرى وهي كونه مظنة الخيلاء. قال ابن العربي: (لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجُرُّه خيلاء؛ لأن النهي قد تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيّ، فإنها دعوى غير مُسلَّمة، بل إطالته ذيله دَالَّة على تكبُّره) ا. هـ، ملخصاً. وحاصله أن الإسبال يستلزم جَرّ الثوب، وجَرّ الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد اللابس الخيلاء. ويُؤَيِّده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه: ((وإياك وجَرّ الإزار، فإن جَر الإزار من المخيلة)) " انتهى المراد من كلام الحافظ رحمه الله.
شبهات و الرد عليها
لفضيلة الشيخ أبى إسحاق الحوينى الأثرى
قال الشيخ "روى ابن ابى شيبه فى كتاب المصنف عن خرشه بن الحر أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً وقد أطال إزاره فقال: أحائض أنت، فقال يأمير المؤمنين وهل يحيض الرجل؟ قال: نعم لما أسبلت إزار لك- لأن اسبال الإزار لا يكون الا للنساء - قال فأتى عمر بمشبط ـ مقص ـ وقص ما ذاد عن الكعبين قال خرشه بن الحر: فكأنى أنظر إلى خيوط الإزار على عقبيه.
فنهى النبى (صلى الله عليه و سلم) عن اسبال الإزار وقال العلماء من علامات الكبيره اذا توعد صاحبها بالنار أو بالطرد أو باللعن أو ما أشبه ذلك فأى نهى تجد فيه توعد بالنار يلتحق بالكنائر، فالنبى (صلى الله عليه و سلم) يقول" أسفل الكعبين من الإزار فى النار" فلو كان أمراً مستحباً لما توعد فاعله بالنار فلا يتوعد بالنار إلا من ترك الواجب.
والذين قيدوا هذا الحديث قيدوه بالحديث الآخر " من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله اليه " فقالوا: من الخيلاء تصلح أن تكون قيد لهذا الحديث العام (الأول) فيكون المعنى كالآتى:" أسفل الكعبين من الإزار خيلاء ففى النار" وبذلك تستقيم المعانى.
ولكن نرجع لأصول أهل العلم هل فعلا يصح أن نحمل المطلق على المقيد فى أحاديث هذا الباب؟
العلماء قالوا " إذا اختلف الحكم واتحد السبب فى نص ما فلا نحمل المطلق على المقيد " والنص المطلق: الذى لم يقيد بصفه مثال ذلك قوله تعالى " فتحرير رقبه مؤمنه " فلا يجزئ تحرير رقبه غير مؤمنه أى أنه قيد عتق الرقبه بالإيمان، وكذلك قوله (صلى الله عليه و سلم) " لا تنتقب المرأه المحرمه" فقيد خلع النقاب بالإحرام وكذلك " إذا مات ابن آدم .... ولد صالح يدعو له" فلا ينفع دعاء الولد الغير صالح فالحكم الذى اتى مقيد فهو موصوف بخلاف المطلق
قال النبى كما فى سنن ابى داود (اسفل من الكعبين من الإزار ففى النار و من جر ازاره من الخيلاء لم ينظر الله اليه)
اصبح عندنا حكمان
الأول: اسفل الكعبين من الإزار ففى النار
الثانى: من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله اليه
ففهم من ذلك ان الأول يتنزل على غير الخيلاء و إلا لما كان الذكر الخيلاء فى الشطر الثانى اى معنى و هل الحكم و احد أم مختلف؟ هو مختلف الأول فى النار و الثانى لم ينظر الله اليه و السبب متحد و هو الجر و كما قلنا اذا اختلف الحكم و اتحد السبب فلا يحمل المطلق على المقيد فلا نقول ان الحديث الأول مقيد بالثانى و قد صرح بذلك الإمام الذهبى فى ترجمة عبد الله بن عمر فى سير اعلام النبلاء
و قد ورد حديث يستشهد به هؤلاء رواه الإمام احمد فى مسنده بسند صحيح على شرط الشيخين " عن عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن اسلم عن عبد الله بن عمر قال: رآنى رسول الله صلى الله عليه و سلم و على إزاره جديد يتقعقع فقال: من فقلت انا عبد الله قال: ان كنت عبد الله فارفع إزارك قال فرفعته قال: زد قال فرفعته الى نصف الساق فقال من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله اليه قال بن عمر فجاء ابو بكر فقال النبى صلى الله عليه و سلم حين رأه من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله اليه فقال ابو بكر يا رسول الله ان احد شقى إزارى يسترخى و انا اتعاهده فقال انك لست ممن يفعل ذلك خيلاء " و الحديث فى الصحيح و لكن بغير هذه الرواية و التمام و السياق قال ابو بكر يا رسول الله ان احد شقى إزارى يسترخى و انا اتعاهده فقال" انك لست ممن يفعل ذلك خيلاء "
¥