تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا التوازن بين الاستسلام المطلق لقدر الله , والعمل الجاهد بكل ما في الطاقة , والوقوف المطمئن عند ما يستطيعون. . هذا التوازن هو السمة التي طبعت حياة تلك المجموعة الأولى وميزتها ; وهي التي أهلتها لحمل أمانة هذه العقيدة الضخمة التي تنوء بها الجبال!

واستقرار ذلك المقوم الأول في أعماق الضمائر هو الذي كفل لتلك الجماعة الأولى تحقيق تلك الخوارق التي حققتها في حياتها الخاصة , وفي حياة المجتمع الإنساني إذ ذاك. وهو الذي جعل خطواتها وحركاتها تتناسق مع دورة الأفلاك , وخطوات الزمان , ولا تحتك بها أو تصطدم , فتتعوق أو تبطىء نتيجة الاحتكاك والاصطدام. وهو الذي بارك تلك الجهود , فإذا هي تثمر ذلك الثمر الحلو الكثير العظيم في فترة قصيرة من الزمان.

ولقد كان ذلك التحول في نفوسهم بحيث تستقيم حركتها مع حركة الوجود , وفق قدر الله المصرف لهذا الوجود. . كان هذا التحول في تلك النفوس هو المعجزة الكبرى التي لا يقدر عليها بشر ; إنما تتم بإرادة الله المباشرة التي أنشأت الأرض والسماوات , والكواكب والأفلاك ; ونسقت بين خطاها ودوراتها ذلك التنسيق الإلهي الخاص.

وإلى هذه الحقيقة تشير هذه الآيات الكثيرة في القرآن. . حيث يقول الله تبارك وتعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). . أو يقول: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء). . أو يقول: (إن الهدى هدى الله). . فذلك هوالهدى بحقيقته الكبيرة ومعناه الواسع. هدى الإنسان إلى مكانه في هيكل هذا الوجود ; وتنسيق خطاه مع حركة هذا الوجود.

ولن يؤتي الجهد كامل ثماره إلا حين يستقيم القلب على هدى الله بمعناه ; وتستقيم حركة الفرد مع دورة الوجود ; ويطمئن الضمير إلى قدر الله الشامل الذي لا يكون في الوجود أمر إلا وفق مقتضاه.

ومن هذا البيان ينجلي أن هذا النص القرآني: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). . أشمل وأوسع وأبعد مدى من أي حادث خاص يكون قد نزل فيه. وأنه يقرر كلية أساسية , أو الكلية الأساسية , في منهج الإسلام! " اهـ.

ثانياً: السنة:

عَنْ مُعَاذَةَ: [أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: أَتَقْضِي إِحْدَانَا الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟! قَدْ كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَا تُؤْمَرُ بِقَضَاءٍ].

أخرجه البخاري في " صحيحه " (ك: الحيض / بـ لا تقضي الحائض الصلاة / ح 321)، ومسلمٌ في " صحيحه " (ك: الحيض / بـ وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة / ح 335) من حديث عائشة، واللفظ لمسلم.

الشاهد:

أنها استدلت بالسنة ولم تذكر العلة، وهذا هو حقيقة التسليم والعبادة أن تكون مُسَلِماً لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عرفتَ حكمته أم لم تعرف، ولو كان الإنسان لا يؤمن بالشيء حتى يعرف حكمته لقلنا: إنك ممن اتبع هواه فلا تمتثل إلا حيثُ ظهر لك أن الامتثال خير.

عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ].

أخرجه البخاري في " صحيحه " (ك: الأدب / بـ عقوق الوالدين من الكبائر / ح 5975)، ومسلم في " صحيحه " (ك: الأقضية / بـ النهي عن كثرة السؤال لغير حاجة / ح 593) من حديث المغيرة بن شعبة، واللفظ للبخاري.

قال الحافظ في " الفتح ":

قَوْله: (وَكَثْرَة السُّؤَال) ... هَلْ هُوَ سُؤَال الْمَال , أَوْ السُّؤَال عَنْ الْمُشْكِلَات وَالْمُعْضِلَات , أَوْ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ؟

وَ ... الْأَوْلَى حَمْله عَلَى الْعُمُوم.

وَقَدْ ذَهَبَ بَعْض الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ كَثْرَة السُّؤَال عَنْ أَخْبَار النَّاس وَأَحْدَاث الزَّمَان , أَوْ كَثْرَة سُؤَال إِنْسَان بِعَيْنِهِ عَنْ تَفَاصِيل حَاله , فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَه الْمَسْئُول غَالِبًا ..... .

قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شَرْح مُسْلِم ":

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير