ـ[أبو محمد التميمي]ــــــــ[19 - 01 - 05, 11:34 م]ـ
جوابا عن مسألة أخينا وفقه الله أقول ما تبين لي بعد ذكر مقدمتين:
أ- من المعلوم أن أركان النكاح ثلاثة - كما عند الحنابلة-:
1 - الزوجان الخاليان من الموانع.
2 - الإيجاب.
3 - والقبول.
وإذا كان كذلك فإن العقد لا يصح إلا بوجود إيجاب وقبول صحيحين, وبالنظر في السؤال المذكور نجد أنه في العقد الثاني صدر من الزوج قبول صحيح, وهذا لا إشكال فيه , لكن يبقى النظر في الإيجاب الصادر من ولي الزوجة هل هو صحيح معتبر أولا؟ والذي يظهر لي أنه غير صحيح , وذلك لأنه في الحقيقة ليس إنشاءً لعقد جديد (إذ الولي لم يقصد ذلك) , وإنما هو في الحقيقة إخبار عن عقد سابق وتأكيد له ,بدليل أمرين:
1 - أنك لو سألت الولي لذكر لك أنه أراد التوكيد.
2 - قول الزوج للولي: (نعيد إشهار العقد) كما في سؤال الأخ, فإن لفظ الإعادة ظاهر في أن المقصود بالعقد الثاني (بما في ذلك الصيغة من الإيجاب والقبول) إنما هو التأكيد والتكرار لما سبق ,لا الإنشاء.
والمؤكِّد فرع عن المؤكَّد وتابع له , فإذا لم يثبت الأصل (المؤكَّد) (وهو العقد الأول) لم يثبت الفرع (المؤكِّد) (وهو العقد الثاني) , إذِ التابع تابع.
يؤيد ذلك أن من المتقرر عند أكثر العلماء أن القصود معتبرة في العقود, والولي لم يقصد بلفظه إنشاء عقد جديد, قال ابن القيم -رحمه الله- في إعلام الموقعين (3/ 94):
(والمقصود أن المتعاقدين وإن أظهرا خلاف ما اتفقا عليه في الباطن فالعبرة بما أضمراه واتفقا عليه وقصداه بالعقد ..... فدل على أن القصد روح العقد ومصححه ومبطله, فاعتبار القصود في العقود أولى من اعتبار الألفاظ , فإن الألفاظ مقصودة لغيرها ومقاصد العقود هي التي تراد لأجلها, فإذا ألغيت واعتبرت الألفاظ التي لا تراد لنفسها كان هذا إلغاء لما يجب اعتباره واعتبارا لما قد يسوغ إلغاؤه , وكيف يقدَّم اعتبار اللفظ الذي قد ظهر كل الظهور أن المراد خلافه بل قد يقطع بذلك على المعنى الذي قد ظهر بل قد يتيقن أنه المراد ... )
ب - كما أن من شروط صحة النكاح (الرضا) , وأدلة هذا الشرط معلومة لا داعي لذكرها , ومن المعلوم أن العقد لايصح إلا باجتماع شروطه ,فإذا كان كذلك فإن العقد لا يصح إلا بعد التحقق من ثبوت الرضا , والرضا لم نتحقق من ثبوته في هذه الصورة , والمقصود بالرضا في كلامي السابق الرضا بإنشاء عقد جديد ,
فالولي مع الزوجة رضيا بتأكيد العقد لا بإنشاء عقد جديد.
يوضح ذلك أنه لا يخلو الحال من ثلاثة احتمالات عقلية:
1 - إما أن نقول:إن الولي مع الزوجة راضيان بالعقد الجديد - قطعاً أو ظناً-, وهذا لا سبيل إليه , إذ لو كان كذلك لما وقع إشكال أصلا , ولما وجد الزوج حرجا في إخبار الزوجة ووليها بالطلاق, فالزوج إنما تردد في إخبارهما لأنه يعلم أنهما إذا علما فربما لا يرضيان بالعقد الجديد.
2 - وإما أن نقول:إن الولي مع الزوجة غير راضيين بالعقد الجديد - قطعاً أو ظناً - ,وفي هذه الحال لا يصح العقد , للتحقق من تخلف الشرط.
3 - وإما أن نقول:إن الأمر متردد بين الاحتمالين (الرضا وعدمه) من غير ترجيح لأحدهما على الآخر, وحينئذ لا يصح العقد , لأن المشروط لا يثبت إلا بعد ثبوت شرطه-قطعاً أو ظناً- , والأصل العدم (عدم الشرط) فلا ننتقل عنه إلا بدليل قطعي أو ظني.
وفي هذا جواب عما ذكره أخونا أبو عبد الباري –وفقه الله-: (فما الذي يدرينا أن أهلها لا يوافقون على التزويج منه مرة أخرى لو علموا بالطلاق) فنقول: وما الذي يدرينا أن أهلها يوافقون على العقد الجديد؟ فعلى أحسن الأحوال يكون الأمر متردداً بين الرضا وعدمه وهذا خلل راجع إلى شرط العقد.
وبهذا يتبين أن مأخذ المسألة:هل العقد مستجمع لشروطه وأركانه أولا؟ ولا خلاف في أن العقد لايصح مع تخلف ركن أو شرط ,
وقد بينت لك وجهة نظري في ذلك , وأن الظاهر عندي حصول خلل في الإيجاب الصادر من الولي , والإيجاب ركن.
كما أن هناك خللاً في شرط العقد وهو الرضا.
وليس كما قال أخونا الفاضل أبو عبد البارئ وفقه الله: (وليس فيه سوى الغش المتوهم) ,لما سبق أن ذكرته.
يؤكد هذا قاعدة الاحتياط في الفروج , وأن الأصل فيها التحريم والحظر.
هذا ما ظهر لي بعد التأمل , والله تعالى أعلم,
تنبيه: ما ذكرته من باب المذاكرة والتباحث مع الإخوان.
¥