تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

البيزنطي مرقيانوس 450 - 457م إلى مذهبين: مذهب الطبيعة الواحدة للمسيح بزعامة كنيسة الإسكندرية ومذهب الطبيعتين وتتزعمه كنيستا روما والقسطنطينية.

ومع ذلك فإن المسلمين ينظرون إلى هذا النص وذلك الواقع ونحوهما بموضوعية لإدراكهم المقاصد الكلية من أديان الرسل وما جاءوا به ولجمعهم بين النصوص وعدم اختزال جميعها في واحد، وأيضاً لتفريقهم بين دين الحق والممارسات التي تزور باسمه، ولهذا فلا يقول المسلمون بأن اليهودية والنصرانية من حيث المبدأ انتشرتا بحد السيف –مع أنهما بتلك التهمة أجدر من الإسلام- على الرغم من محاكم التفتيش والإبادات الجماعية والحروب الصليبية التي وقعت في تاريخ المسيحية بين أهلها فضلاً عن غيرهم. بل نحن على يقين من أن موسى يقدم يوم القيامة ومعه سواد عظيم قد ملأ الآفاق من أتباعه كما صحت الأخبار عن نبينا صلى الله عليه وسلم.

وهذا الرأي لايتوجه في الشيوعية الاشتراكية التي أُجبر الناس على اعتناقها من قبل سلطة متحكمة بقوة الحديد والنار، والسبب هو معارضة فكرة الإلحاد لبدائه العقول وفطرة الخلائق وأديان السماء، فلما أطر الشيوعيون الناس على مذهبهم انساقوا لهم عندما كانت السطوة لهم، ولما كانت العقائد لا تستقر في نفوس الناس تحت حد السيف وإن أظهروا الإذعان يوماً ما، فما أن كُسِرت يد الظلم الباطشة الاشتراكية الممتدة إلى الشعوب المقهورة في الشرق أو الغرب حتى أظهر الناس ما كانوا يكنونه من عقائد، فمضى الشيوعيون وألسنة تلك الأجيال تلعنهم.

ولاينقض ماسبق تدين مجموعات من الانتفاعيين بدين السلطان أنى كان فهؤلاء لادين لهم في الحقيقة إلاّ حيث كانت مصالحهم ورغباتهم العاجلة.

ولإدراك المسلمين هذه الحقيقة لم يكن للسيف عندهم في جهاد الطلب دور غير إزاحة من حال دون الناس ونور الإسلام ليتوجه الناس إلى الدين الصحيح ويسترشدوا بتعاليمه فتنبت النابتة الجديدة في أجواء صحية وتتحقق لهم مصالح الدارين بالتزامهم تشريعات الإسلام السمحة، وأما من أبى فهو مخير بين أن يعيش في كنف الإسلام وتحت عدالة دولته ورعايتها مع فرض جزية يدفعها إن كان من أهل القتال جراء ذلك وهو مقيم على دينه، أو مفارقة تلك الأرض التي لايرتضيها، فإن رفض قانون الإسلام والخضوع لدولته فيحكم عليه بحكم الخارجين عليها والمصلحة في ذلك ظاهرة فحيث وُجد من يتمرد على قوانين الدولة المتحكمة فلابد من أن ينال جزاءه، كما أن المتمرد عليها من المسلمين يناله جزاؤه أيضاً. وشأن الإسلام في هذا شأن الأديان من قبله فالجزية مذكورة في التوارة والإنجيل مضروبة منذ القرون الأولى وليست بدعاً من بني الإسلام.

وعلامة صحة هذا الطريق –جهاد الطلب لأجل تبليغ الدين لمن حيل بينهم وبينه- وكون الغرض منه عند أهل الإسلام هو ما سلف بيانه، دخول الجم الغفير في دين الله أفواجاً مع التزامهم به في السر والعلن وتوريثه البنين والبنات الذين نشأوا على حب ما حببه إليه آباؤهم.

ويبدو أن هذا المبدأ لم يعد مرفوضاً اليوم من الناحية العملية بل أصبح واقعاً يفرض على البلدان الإسلامية من قبل دول تزعم تصدير الحرية والديمقراطية بطائرتها ودباباتها وصواريخها الذكية.

وليس في هذا الفهم ما يستنكر إذا علمنا أن كثيراً من الدول الغربية كان مبدأ تحولها إلى الديمقراطية عن طريق ثورات على النازية والبلشفية والماركسية وغيرها من الاتجاهات الاستبدادية أو الشمولية والتي انتصرت عليها بعد جراحات ودماء وأشلاء.

وفي اعتقادي أن من أسباب نجاح ذلك التحول القسري في كثير من الشعوب الأوربية والأمريكية تلك القناعة الداخلية للشعوب بأن النظم القمعية أو الاستبدادية الشمولية التي سيطرت عليها ليست صالحة، وأن البديل الديمقراطي الرأسمالي أصلح لهم، فظلت المدافعة ردحاً من الزمن ثم كتب البقاء للأصلح.

ولكن ما يجهله هؤلاء أثناء تصديرهم لتلك الثقافة عن طريق الدبابة إلى البلدان الإسلامية هو أن الإسلام دين لايعتنقه حقاً إلاّ من اعتقد أن نظامه هو الأصلح، ولذلك فلن يرتضي به بدلاً إلاّ من بدل دينه منهم.

والنتيجة الطبيعية لهذا أن تتكرر ظاهرة ظهور الإسلام في تلك الأرجاء ولو بعد حين من القهر والاستبداد سواء أتم ذلك باسم الاشتراكية أو الديمقراطية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير