وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا تروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام).
قلت: و الملاحظ أن الرجال " الضعفاء " الذين استدل بهم على رأيه بعضهم ممن بينا أنهم ممن اختلف النقاد فيهم و أنهم وسط ممن حسنوا لهم و الله أعلم كبقية و بن إسحاق.
ثم إنه يلاحظ ما نسبه إلى الإمام مسلم رحمه الله بقوله: (وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا تروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام) و هذا مهم.بل نضيف إلى هذا أنه ظاهر كلام الإمام الترمذي أيضا في العلل. قال رحمه الله: (فكل من روى عنه حديث ممن يتهم و يضعف لغفلته أو لكثرة خطئه ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه فلا يحتج به).
وقد نقل الحافظ بن رجب في شرح العلل عنه أيضا: (المسألة الثانية: الرواية عن الضعفاء من أهل التهمة بالكذب والغفلة وكثرة الغلط:
وقد ذكر الترمذي للعلماء في ذلك قولين:
أحدهما: جواز الرواية عنهم حكاه عن سفيان الثوري، لكن كلامه في روايته عن الكلبي يدل على أنه لم يكن يحدث إلا بما يعرف أنه صدق.
والثاني: الامتناع من ذلك، ذكره عن أبي عوانة وابن المبارك، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل الحديث من الأئمة.
وقد ذكر الحاكم المذهب الأول عن مالك والشافعي أبي حنيفة، واعتمد في حكايته عن مالك على روايته عن عبد الكريم أبي أمية، ولكن قد ذكرنا عذره في روايته عنه، وفي حكايته عن الشافعي على روايته عن إبراهيم بن أبي يحيى، وأبي داود سليمان بن عمرو النخعي، وغيرهما من المجروحين، وفي حكايته عن أبي حنيفة على روايته عن جابر الجعفي وأبي العطوف الجزري.
قال: وحدث أبو يوسف ومحمد بن الحسن عن الحسن بن عمارة وعبد الله بن محرر وغيرهما من المجروحين.
قال: وكذلك من بعدهم من أئمة المسلمين قرناً بعد قرن، وعصراً بعد عصر إلى عصرنا هذا، لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين عن مطعون فيه المحدثين.
وللأئمة في ذاك غرض ظاهر:
وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه، والمنفرد به عدل أو مجروح).
و قال بن رجب أيضا: (والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين [والذين غلب عليهم الخطأ] للغفلة وسوء الحفظ، ويحدث عمن دونهم في الضعف، مثل من في حفظه شئ أو يتختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه. وكذلك كان أبو زرعة الرازي يفعل).و هذا يزيد ما ذكرناه عن الإمام أحمد و ما فسره بعض النقاد من قوله في التساهل في الإسناد، قوة و بيانا و لله الحمد.
و أقوى من ذلك و أبين أيضا قوله في شرح العلل: (وكان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن).