تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(النَّقائِصُ العِلْميَّة) [(1) (2) (3)]

ـ[ذو المعالي]ــــــــ[23 - 08 - 02, 05:26 ص]ـ

النَّقَائِصُ العِلْمِيَّة

غايات الكمال مَطْلَبٌ نفيس لدى العقلاء، و مرمىً عالٍ في سيرة الحكماء.

و لا يعتري ذلك أدنى شكٍّ، و لا قيدٌ من ريب، و لكن أبى الله الكمال إلا لكتابه، و اعترى الخلل كل مخلوقاته، و تسلط النقص على كيانات الكمالات.

و من تلك الغايات المحمودة، و المرامي المقصودة (العلم) الشريف، و ما حواه من فخر لطيف، فقد اعترته شوائب النقص، و خالجته آفات الكمال.

و ليس ذاك النَّقْصُ من ذات العلم، بل هو من سالكيه، و طارقي أبوابه.

و لأهمية العلم، و سُمُوِّ غايته جرى اليراع مقيِّداً آفاتٍ تختلج كيانه، و سطر الحبر ذلك مظهراً بيانه.

و لقد كشف عن ذلك مُبَيِّنَاً آفات العلم و نقائصه العلامة محمد البشير الإبراهيمي _ رحمه الله تعالى _ حيث قال: (و إن من نقائصنا المتصلة بحالتنا العلمية الحاضرة ثلاثاً لا كمال معها، و من المؤسف أن ناشئتنا العلمية المستشرفة إلى الكمال لا تفكر في السلبي منها و لا الإيجابي.

هذه النقائصُ الثلاث هي:

- ضعف الميل إلى التَّخَصُّص.

- ضعف الميل إلى الابتكار.

- الكسلُ عن المُطَالَعَة.

و إذا كانت الأوليان مُتعسرتين لفقد دواعيهما؛ فإن الثالثة أقرب إلى الإمكان) أهـ

[آثار الإبراهيمي: 1/ 154].

و كما ترى أن هذه النقائص هي ركائزُ في العلم، و أصول في الثقافة، و تخلُّفُها يعني الإخلال الكبير في ديمومة الإنتاج الثقافي العلمي.

و إلى بيانٍ شافٍ كافٍ لهذه النقائص.

أولاً: ضَعْفُ الميلِ إلى التخصُّص.

و ضَعْفُ الميل إلى التَّخَصُّص آفةٌ أدركت فئاماً من طُّلاّب العلوم، و لابد من النظر إلى هذه النقيصة من خلال خمسة محاور:

الأول: في معنى (التَّخصُّص).

يُعْرَفُ (التَّخصُّصُ) عند أهله بأنه: اشتغالُ رَجلٍ بعلمٍ من العلوم، و معرفته بدقائقهِ، و إلمامه بمباحثه.

و كما ترى أن هذا التعريف لـ (التَّخصُّص) في أرض العمل مُغْفَلٌ مُهْمَلٌ.

الثاني: أقسام الناس بالنسبةِ لـ (التَّخصُّص).

طُلاَّبُ العلوم كثيرون، و أهل (التَّخصُّص) قليلون، و هم فيما بينهما في تفاوتٍ كبير.

فأقسامُ الطلاَّبِ بالنسبة لـ (التَّخصُّص) ثلاثةٌ:

أولها: مِنْ لم يرمِ إلى تخصُّصٍ في علمٍ من العلوم، بل هو مشتغلٌ في كل علم مُحصِّلاً له، و لكن دون إتقانٍ و إحكامٍ.

و أُسميهم بـ (المُثقفين) أو (الجمَّاعين).

ثانيها: مَنْ تخصَّصَ في علمٍ و جَهِلَ علوماً، و هذه حالُ أكثرِ مُتخصِّصِي زماننا.

ثالثها: مَنْ تخصَّصَ في علمٍ و ألمَّ بالكفايةِ من العلومِ الأخرى، و هؤلاء أقلُّ من راحلةٍ في إبلٍ ألفٍ.

الثالث: زَمَنُ (التَّخصُّص).

يظن _ غلطاً _ كثيرٌ من طلاب العلوم أن التَّخصُّصَ يكون حين ميلةِ الطالب لعلمٍ من العلوم، و هذه نظرةٌ خاطئة.

إن (التَّخصُّصَ) نهايةٌ بعد بداية، و آخرةٌ بعد أولى، فزمنُ اشتغال الطالب به إنما يكون بعد إلمامه بجملةٍ من العلوم، و المشاركة بأصولها و رؤوسها.

(و بعدَ المُطالَعَةِ في الجميع _ أي جميع الفنون _ أو الأكثر إجمالاً إن مالَ طبعه إلى فنٍّ عليه أن يقصدَه و لا يَتكلَّف غيره، فليس كل الناس يصلحون للتَّعلُّم، و لا كل مَنْ يصلُح للتَّعلُّم يصلح لسائر العلوم، بل كل مُيَسَّرٌ لما خلقَ له.

و إن كان مَيْلُهُ إلى الفنون على السواء مع موافقة الأسباب، و مساعدة الأيام، طَلَبَ التَّبَحُّرَ فيها).

[كَشْفُ الظنون (1/ 46)].

و أما سلوك (التَّخصُّص) قبل تحصيل أصول العلم فهو خلَلٌ و غلطٌ، إذ غالبُ ذلك انتقاءُ ما تميل إليه النَّفْسُ في حال اشتعال فتيلة همتها.

و لذا كانت سيرة العلماءِ الأقدمين على هذا المنوال، و على هذا الدرب و الطريق.

فلابدَّ من الإلمام بالفنون الأخرى، و هو المُسَمَّى بـ (التَّفَنُّن) أو (المُشَارَكة).

و بيانُ ذلك في الآتي:

الرابع: معنى التفنُّن في العلوم.

كثيراً ما تستوقفنا كلمة (المُتَفَنِّنْ) في كتب التراجم و السِّيَر، و يخالجنا فيها معانٍ لها كِثار، منها الصائب و أكثره بعيد النَّجْعَةِ.

و أصلُ المعاني التي تخالجنا صحيح، لكن الحقيقة هي الغائبة.

فحقيقةُ (التَّفنُّن) في العلم هي: (الوقوفُ على كُلِّياتِه التي تشتملُ على جميع أجزائه بالقوة).

[الهوامل و الشوامل لـ (مسكويه)، ص 304].

الخامس: القَدْرُ المطلوب في (التفنُّن).

ليس المرادُ بـ (التَّفَنُّن) إلا ما بينه (مسكويه) في كلامه الآنف، و لكن ما القدرُ الذي به يكون تحصيلُ (التَّفَنُّن) في تلك العلوم.

أبانَ عنه (حاجِّي خليفة) فقال _ لما عَدَّدَ شرائط التَّحْصِيْل _: (و منها: أن لا يَدَعَ فناً من فنون العلم إلا و نظرَ فيه نظرَاً يَطَّلِعُ به على غايته و مقصده و طريقته).

[كَشْفُ الظنون (1/ 46)].

و إلى النقيصة الثانية قريباً بإذن الله _ تعالى _.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير