[شيخنا عبد القادر الأرنؤوط كما عرفته]
ـ[أبو تيمية إبراهيم]ــــــــ[16 - 08 - 02, 05:53 م]ـ
[شيخنا عبد القادر الأرنؤوط كما عرفته]
الشيخ عبد القادر – حفظه الله و نفعنا الله بعلمه – أحد العلماء العاملين الغيورين على سنة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، الذين نذروا أوقاتهم في تمييز صحيح السنن و الآثار من ضعيفها، و في التفقه في معانيها و في نشرها و تعليمها و العمل بما فيها ...
الشيخ عبد القادر عالم و داعية سلفي صالح – و لا نزكي على الله أحدا – لكن قل من الناس من يعرف أخباره أو شيئا منها ...
و معرفة حياة الصالحين و طرائقهم في العلم و العمل سبيل ينبغي الاعتناء به، حتى يتبصر المؤمن و ينشط و تعلو همته ليقتفي آثارهم ...
و ليعلم قدر هؤلاء الأخيار ...
بادئ ذي بدء أعرج على مختصر عن حياة شيخنا ..
1 - مولده و نشأته:
ولد شيخنا العلامة الحافظ، المحدث الفقيه المتبصر، الحكيم الورع، و الداعية النبيل – نحسبه كذلك و لا نزكيه على ربنا – بقرية فريلا من إقليم كوسوفا من بلاد الأرنؤوط سنة 1347 هـ - يعني عام 1928 م
و الأرنؤوط – كما قال العلامة الألباني رحمه الله – جنس يندرج تحته شعوب كثيرة من الألبان و اليوغسلاف و غيرهم.
و الألباني قديما كان يكتب على غلاف كتبه: تأليف محمد ناصر الدين الأرنؤوطي كما رأيته بالظاهرية، و عليها خطه رحمه الله بالاهداء إلى المكتبة الظاهرية.
و قد هاجر شيخنا إلى دمشق بصحبة والده و بقية عائلته و سنه ثلاث سنوات من جراء اضطهاد المحتلين الصرب – أذلهم الله - للمسلمين الألبان.
فطلب العلم من مدرس دمشق:
درس من مدرسة الأدب الإسلامي مدة سنتين؛ ثم في مدرسة الإسعاف الخيري إلى أن أنهى المرحلة الابتدائية.
و للحاجة إلى المال عمل الشيخ ساعاتيا عند الشيخ سعيد الأحمر التلي الأزهري، فأخذ منه الشيخ علم تصليح الساعات و الفقه، و هو الذي وجه الشيخ لطلب العلم لما رأى نبوغه و حافظته ..
2 - طلبه للعلم و مشايخه و أصحابه:
و منذ ذلك الحين و الشيخ منكب على تعلم العلم و دراسته، فطلب العلم على يد الشيخ عبد الرزاق الحلبي، و كذلك على يد الشيخ محمد صالح الفرفور من علوم العربية و المعاني و البيان و البديع و الفقه و التفسير ما يقارب العشر سنوات.
و أخذ عن الشيخ سليمان غاوجي الألباني شيئا من الفقه و علم الصرف، و قرأ القرآن و جوده على الشيخ صبحي العطار.
و أعاده تجويدا على الشيخ محمود فايز الديرعطاني المقرئ تلميذ شيخ القراء محمد الحلواني.
و أعلى من هؤلاء كلهم أخذه عن علامة الشام و سلفيها الشيخ بهجة البيطار رحمه الله
و قد صاحب الشيخ جمعا من أهل العلم ممن يكبرونه قليلا أو يصغرونه قليلا فاستفاد من صحبتهم، و هكذا طلبة العلم ينبغي أن يختاروا ثلة من الأصحاب الذين يتذاكر معهم العلم و يستخرج بجودة قرائحهم فرائد العلم و دقائقه ..
فانظر -رعاك الله - أحمد من كان أصحابه و أقرانه: ابن معين و ابن المديني و إسحاق بن راهويه و الحميدي و غيرهم، يذاكر العلم مع تلامذته البخاري و أبي زرعة و الدارمي و ابن وارة و غيرهم، كيف يكون ذهن و قريحة من هؤلاء أصحابه و جلساؤه؟؟ ..
كان شيخنا صاحبا للألباني محبا له – كما سيأتي تفصيله – و للشيخ زهير الشاويش و لشعيب الأرنؤوط و كان على علاقة قوية بالشيخ ابن باز و كان مُرسلا إلى الدعوة إلى يوغسلافيا و ألبانيا من قبل سماحة الإمام ابن باز -رحمه الله - كما سيأتي تفصيله مع ذكر إحدى المراسلات بينهما - ...
و كل أصحاب الشيخ ناصر أصحاب له ....
3 – سيرته العلمية و العملية:
و الشيخ عبد القادر يتمتع بحافظة قوية، يذكر عن نفسه أنه كان يحفظ خمسة أحاديث في فترة الاستراحة بين الحصص في زمن الدراسية الأكاديمية، فكان يتمتع بحافظة قوية – أدامها الله عليه -.
و هذا معروف عن الشيخ فالشيخ حافظ من الحفاظ، قل أن يسأل عن حديث إلا و يسوق لك متنه كاملا، كم اندهشت من سرعة استخراجه للحديث من الكتب،؟، فإني كنت أجالس الشيخ طويلا في بيته، في مكتبته العامرة، فيدخل عليه صنوف الناس ما بين سائل و مسترشد و متحاكم إليه للإصلاح في أمور المنازعات، في الطلاق و غيره، فكان الشيخ موسوعة في استخراج الحديث من مظانه ... يمد يده إلى الكتاب فيخرج منه الحديث المسؤول عنه بسرعة عجيبة – حفظه الله -.
و كان كثيرا ما يكرر علينا مقولة بشر بن الحارث الحافي: (يا أصحاب الحديث، أدوا زكاة الحديث، قالوا: و ما زكاته؟ قال: أن تعملوا من كل مئتي حديث بخمسة أحاديث).
قلت: و هذا الأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 337)، و الرافعي في التدوين (2/ 427) – و اللفظ له – و البيهقي في الشعب (1805) و هو صحيح عنه.
و لذلك كان الشيخ في بعض دروسه يشرح لنا خمسة أحاديث في مجلس واحد.
و الشيخ حفظه الله عالم مربٍّ يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، و لذلك أقبلت العامة بدمشق و غيرها من المدن عليه، حيث وجدت عنده أنس المستوحش، و حنان المربي ..
فالشيخ معروف بعلو أخلاقه و نزاهة باطنه ..
لا تسمعه يذكر أحدا بسوء أو يطعن فيه إلا مبتدعا مجاهرا مغاليا في بدعته ..
لا ترى و لا تسمع منه كلمة نابية ..
شيخنا حفظه مجمع فضائل .. كان صورة من شيخه العلامة محمد بهجة البيطار العالم السلفي التيمي رحمه الله
و قد تصدر شيخنا حلقة شيخه بعد وفاته، فصار يدرس في مسجده كتب العلم و منها التفسير و ذلك بعد صلاة الفجر من كل يوم.
شيخنا حفظه الله من المهتمين جدا بتراث شيخي الإسلام ابن تيمية و ابن القيم، و هو معروف لدى فقهاء الشام بأنه يفتي بما كان عليه شيخ الإسلام في مسائل الطلاق عدا مسألة طلاق الحائض فللشيخ فيها رأي عملي آخر، لأن فيها نظرا كبيرا يوقف عنده ..
و يذكر الشيخ عن نفسه أن من أول ما أثر في نفسه في مبتدأ الطلب كتاب الوابل الصيب لابن القيم ..
هذا و الحديث ... ستبع قريبا إن شاء الله تعال.
¥