تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا ثبت هذا نفهم من هنا أن قوله: {لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة} على أنه للكمال؛ لأن في الحديث قرينة الوصف التي تدل على التفضيل فدل على أنه للكمال ولم يأخذ بظاهر هذا الحديث أنه لا اعتكاف إلا مجاهد وهو قول قال عنه بعض العلماء: إنه شاذ.

- المسألة الخامسة: ما هو الاعتكاف؟

الاعتكاف من العكوف على الشيء والمراد به لزومه، ومن هنا قال-تعالى-: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} أي ملازمون لها، فالمعتكف هو الملازم لبيت الله عز وجلَّ أعني المسجد بقصد التقرب لله سبحانه وتعالى وطاعته، فإذاً لابد من أن يلزم المسجد وأن تكون النية إرادة ما عند الله سبحانه وتعالى والتقرب لله-جل وعلا- فلزوم المسجد يقتضي أن لا يخرج منه إلا لضرورة وحاجة مثل أن يقضي حاجته ومثل أن يتعذر أن يجد طعاماً داخل المسجد فيخرج بقدر ما يطعم ثم يعود، فالأصل يقتضي أنه يلزم المسجد وأجمع العلماء-رحمهم الله- على أن من نوى الاعتكاف أو نذر الاعتكاف فخرج من المسجد من دون حاجة بطل اعتكافه وعليه أن يعود ويستأنف النية، ومن هنا لابد وأن يعلم المسلم أن الاعتكاف هو الملازمة للمسجد، ومن هنا لا يخرج من المسجد إلا من ضرورة وحاجة فلا يخرج لعيادة مريض ولا لتشييع جنازة ولا يخرج لغسل إلا إذا كان واجباً محتّماً عليه كغسل يوم الجمعة على القول بوجوبه أو غسل جنابة إذا أصابته جنابة، أما إذا لم توجد حاجة فالأصل يقتضي عدم جواز الخروج إذا عُلِم أنه يلازم المسجد ينبغي له أن يعلم أنها ملازمة لذكر الله عز وجلَّ وأن المعتكف الصادق في اعتكافه من ترمّم هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حفظ وقته وساعاته ولحظاته في ذكر الله سبحانه وتعالى حتى إنه يحتسب عند الله عز وجلَّ النومة ينامها من أجل أن يتقوّى بها على طاعة الله، هذه العبادة مدرسة من مدارس رمضان وانظر كيف حكمة هذه الشريعة أن جعلت الاعتكاف في ثلث الشهر ولم تجعله في كلّ الشهر؛ لأن الإسلام من حيث هو دين لا رهبنة فيه وهذا يدل على أن الإنسان إذا تعبد واجتهد في العبادة ينبغي أن يكون بحدود وأن لا يغلو كغلوّ النصارى فيترهبن ويصبح من الرهبان فلا رهبانية في الإسلام، ومن هنا جاء الاعتكاف مع أن الموسم موسم طاعة شهر رمضان لم يأت عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الاعتكاف الكامل وقد كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يترك الشيء ويحب أن يفعله لكنه وقع منه اعتكافه-عليه الصلاة والسلام- تحريّاً لليلة القدر.

والدليل على ذلك: أنه اعتكف العشر الوسطى فلما نزل عليه جبريل أن ليلة القدر في العشر الأواخر وقال كما في الصحيح {إنّ الذي تطلبه أمامك} أصبح-عليه الصلاة والسلام- يعتكف في العشر الأواخر وأمر أصحابه أن يعتكفوا فيها معه-عليه الصلاة والسلام-.

والاعتكاف يقصد منه إصابة فضيلة ليلة القدر وهو الاعتكاف المخصوص في رمضان ويتعلم المسلم منه ذكر الله سبحانه وتعالى وطاعته فهذا الجو الإيماني الذي يهيء العبد لمرضاة الله عز وجلَّ ومحبته وبلوغ الدرجات العلى في جنته ودار كرامته ..

كم من معتكف صادق في اعتكافه دخل إلى معتكفه ناقصاً فخرج منه مكمّلاً دخل منه شقيّاً فخرج منه سعيداً دخله مذنباً فخرج منه مغفوراً مرحوماً ودخله بعيداً عن الطاعات فخرج بالباقيات الصالحات .. ؟؟؟

المعتكف الصادق في اعتكافه الذي تعلم من اعتكافه حفظ اللسان وصيانة الجوارح والأركان والإكثار من ذكر الله عز وجلَّ في سائر الأوقات والأزمان، من الناس من خرج من اعتكافه بختم القرآن كلّ ثلاث ليالٍ، ومنهم من خرج من اعتكافه بالبكاء عند سماع القرآن، ومنهم من خرج من اعتكافه بمحبة كلّ خير وكل طاعة وبر وهل يراد من العبد إلا ذلك؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير