الفرع الأول: المكاتب: وهو الذي اشترى نفسه من سيده ():
اختلف العلماء رحمهم الله في اعتكاف المكاتب على قولين:
القول الأول: له أن يعتكف ما لم يضر بسيده.
وبه قال الإمام مالك ()، وبعض الشافعية ()، وبعض الحنابلة ().
لوجوب الوفاء بحق السيد، وعدم مضارته، وتعجيل عتق العبد، وأيضاً فالاعتكاف قد يكون تطوعاً فلا يقدم على الواجب وهو وفاء دين الكتابة.
القول الثاني: أن له أن يعتكف مطلقاً، فليس لسيده منعه من اعتكاف واجب ولا تطوع.
وهو قول الجمهور ().
لأنه لا يستحق منافعه، وليس له إجباره على الكسب، وإنما الدين في ذمته فهو كالحر المدين، فله الاعتكاف بلا إذن سيده.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن المدين الحر ليس له أن يتصرف تصرفاً يضره بالدائن، وكذا المكاتب؛ لقوله تعالى: ?مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ? ().
والأقرب: القول الأول؛ إذ لا ضرر ولا ضرار.
الفرع الثاني: المبعض، وهو من بعضه حر وبعضه رقيق:
فإن كان بينه وبين سيده مهايأه ()، فله أن يعتكف في يومه بغير إذن سيده؛ لأن منافعه غير مملوكه لسيده في هذا اليوم، وحكمه في يوم سيده حكم العبد.
فإن لم يكن بينهما مهايأة فلسيده منعه؛ لأن له ملكاً في منافعه في كل وقت ().
الفرع الثالث: أم الولد ()، والمدبر ()، والمعلق عتقه بصفة حكمهم حكم القن ().
الفرع الرابع:
لو نذر العبد الاعتكاف على ما تقدم ثم انتقل إلى غيره ببيع أو هبة أو إرث أو وصية، فله الاعتكاف على ما تقدم بلا إذن المنتقل إليه؛ لأنه صار مستحقاً للعبد قبل تملك السيد الآخر ومثله الزوجة، لكن إن جهل المشتري فله الخيار ().
المطلب السابع: شرط الصوم:
اختلف العلماء في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف على أقوال:
القول الأول: عدم اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف.
وبه قال بعض المالكية ()، وهو مذهب الشافعية ()، والحنابلة ()، وبه قال ابن حزم ().
القول الثاني: أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف الواجب دون التطوع.
وهو مذهب الحنفية ().
القول الثالث: أنه شرط لصحة الاعتكاف مطلقاً.
وهو مذهب المالكية ()، وبه قال بعض الشافعية ()، ورواية عن أحمد () اختارها شيخ الإسلام وابن القيم ().
قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم أن اعتكاف رسول الله ? إنما وقع في رمضان، فمن رأى أن الصوم المقترن باعتكافه هو شرط في الاعتكاف، وإن لم يكن الصوم للاعتكاف قالا: لابد من الصوم مع الاعتكاف، ومن رأى أنه إنما اتفق ذلك اتفاقاً لا على أن ذلك كان مقصوداً له عليه الصلاة والسلام في الاعتكاف، قال: ليس من الصوم من شرطه، ولذلك أيضاً سبب آخر وهو اقترانه مع الصوم في آية واحدة" ().
الأدلة:
أدلة الرأي الأول:
استدل لهذا الرأي بالأدلة الآتية:
1 - قوله تعالى: ?وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ? ().
وجه الدلالة: دلت هذه الآية على مشروعية الاعتكاف بلا صوم لإطلاقها.
2 - ما رواه ابن عمر أن عمر سأل النبي ? قال: "كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له: أوفِ بنذرك" ().
وجه الدلالة:
دل هذا الحديث على أن الاعتكاف مشروع بلا صوم؛ لأن الليل ليس ظرفاً للصوم، ولو كان الصوم شرطاً لصحته لما أذن له النبي ? بالاعتكاف.
ونوقش هذا الاستدلال:
بأنه مختلف في لفظه، ففي رواية "ليلة"، وفي رواية "يوماً" ().
وأجيب بأجوبة:
الجواب الأول: أن هذا الاختلاف في ألفاظ الحديث محمول على تعدد القصة، فيجوز أن يكون عمر سأل النبي ? عن اعتكاف ليلة وحدها فأمره به، وسأله مرة عن اعتكاف يوم فأمره به ().
ورد هذا الجواب:
بالمنع؛ إذ إن عمر ? إنما سأل النبي ? مرة واحدة عام الفتح ().
الجواب الثاني: أن رواية "ليلة" أرجح.
بدليل: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي ?: أوف بنذرك فاعتكف ليلة" ().
وهذا صريح في أنه إنما نذر ليلة.
ورد هذا الجواب: بما رواه ابن عمر بلفظ: "إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: اذهب فاعتكف يوماً" (). فيحتمل أنه سأل عن اعتكاف يوم ().
ورد هذا الجواب أيضاً: بأن الليالي تطلق، ويراد بها الأيام استعمالاً فاشياً في اللغة لا ينكر ().
¥