3 - قول عائشة رضي الله عنها: "والسنة في المعتكف ألا يخرج إلا للحاجة التي لابد منها ... وفيه ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم" ().
والصحابي إذا أطلق السنة انصرف إلى سنته ?.
ونوقش هذا الدليل:
بأنه ليس من قول عائشة، بل مدرج من الزهري - كما سيأتي - ولو سلم، فهو محمول على الاستحباب؛ لوجود الصارف عن الوجوب من أدلة القول الأول.
4 - ما روته عائشة مرفوعاً: "لا اعتكاف إلا بصوم" ().
ونوقش: بأنه ضعيف كما في تخريجه.
5 - ما ورد أن علياً قال: "المعتكف عليه الصوم ()، وإن لم يفرضه على نفسه".
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه مخالف لما ورد عنه ? من عدم اشتراط الصوم.
الوجه الثاني: أنه قول صحابي خالفه غيره.
6 - ما ورد أن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما قالا: "المعتكف يصوم" ().
7 - ما ورد أن عائشة قالت: "لا اعتكاف إلا بصيام" ().
ونوقش هذا الدليل:
بالوجه الثاني من المناقشة الواردة على الدليل الرابع.
8 - أنه لبث في مكان مخصوص، فلم يكن بمجرده قربة، فيشترط له الصوم ().
ونوقش:
بالمنع، فليس قربة بمجرده، بل بالنية فلا يشترط له الصوم.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه أهل القول الأول؛ لقوة دليله على اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف، وضعف أدلة المخالفين بمناقشتها، ولأن الأصل عدم اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف.
ثمرة الخلاف:
يترتب على القول باشتراط الصوم لصحة الاعتكاف:
1 - عدم صحة اعتكاف الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق ().
2 - عدم صحة اعتكاف الليل بمفرده.
3 - أن الاعتكاف لا يكون أقل من يوم.
المطلب الثامن: شرط المسجد:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعتبار المسجد لصحة الاعتكاف.
المسألة الثانية: ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف.
المسألة الثالثة: ما يدخل في مسمى المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف.
المسألة الرابعة: أفضل المساجد للاعتكاف.
المسألة الخامسة: تغيير المعتكف لمسجد اعتكافه.
المسألة الأولى: اعتبار المسجد لصحة الاعتكاف:
يشترط المسجد لصحة الاعتكاف لقوله تعالى: ? وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ? ().
فلم ينه - الله تعالى - عن المباشرة إلا من اعتكف في المسجد وتخصيصه بالذكر يقتضي أن ما عداه بخلافه وتبقى مباشرة العاكف في غير المسجد على الإباحة، ولما لم يكن العاكف في غير المسجد منهياً عن المباشرة علم أنه ليس باعتكاف شرعي؛ لأنا لا نعني بالاعتكاف الشرعي إلا ما تحرم معه المباشرة كما أنا لا نعني بالصوم الشرعي إلا ما حرم فيه الأكل والشرب.
فإن قيل: فقوله تعالى: ? وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ? دليل على أنه قد يكون عاكفاً في غير المسجد؛ لأن التقييد بالصفة بما لولاه لدخل في المطلق.
أجيب: لا ريب أن كل مقيم في مكان ملازم له فهو عاكف، لكن الكلام في النوع الذي شرعه الله تعالى، كما أن كل ممسك يسمى صائماً، وكل قاصد يسمى متيمماً، ثم لما أمر الله تعالى بتيمم الصعيد، وأمر بالإمساك عن المفطرات صار ذلك هو النوع المشروع، على أن الصفة قد تكون للتبيين والإيضاح كما في قوله تعالى: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ? ()، وقوله تعالى: ?وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ? ()، ونحو ذلك ().
ولما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: "إن كان رسول الله ? ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً" متفق عليه ().
ولما يأتي أيضاً من الأحاديث الدالة على اعتبار المسجد لصحة الاعتكاف.
وحكي إجماعاً، قال القرطبي: "أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد" ().
وقال في المغني والشرح الكبير: "لا نعلم في ذلك خلافاً" ().
وقال ابن رشد، والزرقاني: "وقد اتفق العلماء على مشروطية المسجد للاعتكاف، إلا محمد بن عمر بن لبابة فأجازه في كل مكان" ().
المسألة الثانية: ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف:
وفيه أمران:
الأمر الأول: ضابطه للرجل.
الأمر الثاني: ضابطه للمرأة.
الأمر الأول: ضابطه للرجل:
وبعد اتفاق الأئمة على اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف.
¥