تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اختلفوا في ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف للرجل على أقوال:

القول الأول: أنه لا يصح إلا في مسجد جماعة.

قال شيخ الإسلام: "وهو قول عامة التابعين، ولم ينقل عن صحابي خلافه، إلا من قول من خص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة، أو مسجد نبي" ().

فقد قال به من السلف: عروة، والزهري، والحسن، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وأبو الأحوص، وأبو قلابة، وغيرهم ().

وهو مذهب الحنفية ()، والحنابلة ().

لكن اختلفوا في تفسير مسجد الجماعة فعن أبي حنيفة وصححه بعض الحنفية، وهو المذهب عند الحنابلة: أنه الذي تقام فيه صلاة الجماعة.

والرأي الثاني عند الحنفية: أن المراد ماله إمام ومؤذن أديت فيه الخمس أو لا.

لكن عند الحنابلة من لا تجب عليه الجماعة كالمريض ونحوه من أهل الأعذار، وكذا لو نوى اعتكاف مدة لا تخللها صلاة جماعة صح في كل مسجد سوى مسجد البيت ().

القول الثاني: أنه في كل مسجد.

وهذا مذهب المالكية ()، والشافعية ().

سواء أقيمت فيه الجماعة أم لا، إلا أنهم يستثنون مساجد البيوت، فلا يصح فيها الاعتكاف.

لكن عند المالكية: يجب الاعتكاف في المسجد الجامع إن تخلل اعتكافه جمعة، وعند الشافعية يجب الاعتكاف في الجامع إن تخلل اعتكافه جمعة، وكان نذراً متتابعاً.

القول الثالث: أنه لابد من مسجد جامع.

وهو قول: حماد، والحكم، وأبي جعفر محمد بن علي (). وهو اختيار الصنعاني.

والقول الرابع: أنه لا يصح إلا في المساجد الثلاثة.

وبه قال سعيد بن المسيب ().

وعن عطاء:: لا اعتكاف إلا في مسجد مكة والمدينة ().

الأدلة:

أما دليل من اشتراط أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة:

1 - قوله تعالى: ?وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ? ().

وجه الدلالة:

أن لفظ "المساجد" في الآية عام يشمل كل مسجد؛ لأن الله سبحانه عمَّ المساجد بالذكر، ولم يخص مسجداً دون مسجد، وهو اسم جمع معروف باللام، والمباشرة نكرة في سياق النفي، فيكون معنى الكلام: لا تفعلوا شيئاً من المباشرة، وأنتم عاكفون في مسجد من المساجد، لكن خص بالمسجد الذي تقام فيه الجماعة للأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة؛ لأن اعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين:

إما ترك الجماعة الواجبة، وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه وذلك مناف للاعتكاف؛ إذ هو لزوم المعتَكَفِ والإقامة على طاعة الله فيه ().

وحتى لو قيل: بعدم وجوب الجماعة، فإن الجماعة من أعظم العبادات، وهي أوكد من مجرد الاعتكاف الخالي عنها بلا ريب، والمداومة على تركها مكروه كراهة شديدة، فلو كان العكوف الخالي عنها مشروعاً، لكان قد شرع التقرب إلى الله تعالى بما ينهى فيه عن الجماعة؛ إذ الخروج من المعتكف لا يجوز، وهذا غير جائز ().

2 - قول عائشة رضي الله عنها: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج إلا لما لابد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع"، وفي لفظ: "إلا مسجد جماعة" ().

ونوقش: بأن الأقرب: نه مدرج من الزهري.

3 - أنه هو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم.

فعن علي ? أنه قال: "من اعتكف فلا يرفث في الحديث ولا يساب، ويشهد الجمعة والجنازة، وليوصل أهله إلا كانت له حاجة وهو قائم لا يجلس عندهم" ().

قوله: "ويشهد الجمعة" دليل على أنه لم يعتكف في جامع.

وعن علي ? قال: "لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة" ().

وروى ابن أبي مليكة قال: "اعتكفت عائشة بين حراء وثبير فكنا نأتيها هناك وعبد لها يؤمها" ().

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: "لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الصلوات" ().

وعنه ? قال: "إن أبغض الأمور إلى الله البدع، وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور" ().

وعنه ?: "أنه سئل عن امرأة جعلت عليها أن تعتكف في مسجد نفسها في بيتها؟ فقال: بدعة وأبغض الأعمال إلى الله تعالى البدع، لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة" ().

وأما دليل من قال: بصحة الاعتكاف في كل مسجد له مؤذن وإمام وإن لم تقم فيه الجماعة:

فحديث حذيفة ? مرفوعاً: "كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح" ().

ونوقش: بأنه ضعيف جداً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير