ويقول الرسول ? واصفًا تعلق الإنسان بالدنيا وطول الأمل فيها: (لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا، وَطُولِ الْأَمَلِ) ().
المرء يرغب في الحيا
ة وطول عيش قد يضره
تفنى بشاشته ويبقى
بعد حلو العيش مرّه
وتسوءه الأيام حتى
ما يرى شيئًا يسرّه
(قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ) ().
أخي الحبيب: قل بربك، أي عمل سوف ينجزه المؤمن إذا كان طول الأمل يحيط بفكره، ويملأ عليه حياته، كلما سمع نداء الجد، قال: غدًا، كلما سمع صوت العمل، قال: سوف وسوف، من هنا تصاب الهمة بالتقاعس، وتنتهي إلى الكسل والخمول.
قال الحسن البصري: ((تؤمّل أن تعمّر عمر نوح، وأمر الله يطرق كل ليلة)).
يؤمّلُ دنيا لتبقى له
فوافى المنية قبل الأمل
حثيثًا يروّي أصول الفسيل
فعاش الفسيل ومات الرجل
السبب السادس: من أسباب الفتور: تحميل الإنسان نفسه في عبادته ما لا يحتمل عادة، فإنه وإن استمر على فعل الطاعة مع ثقلها عليه، إلا أنه سيصيبه الفتور بعد ذلك؛ لمخالفته المنهج النبوي الكريم، وهو أن المؤمن ينبغي أن يأخذ من الأعمال ما يطيق، حتى لا يصاب بالملل والسآمة، فيعود هذا على ترك العمل نهائيًا.
وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك فقال: ? اتقوا الله ما استطعتم ?.
وعلم عباده ذلك الدعاء الكريم فقال: ? ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ?.
وهاهو نبي الأمة ? يرسم الطريق المستقيم في العمل بالعبادة، وهو التوسط فيها، فلا إفراط ولا تفريط، حتى يبقى المسلم على صلة دائمة لا تعرف الفتور، وطريقة مستمرة لا تعرف الانقطاع، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا) ().
ويدخل النبي ? ذات يوم في المسجد، فإذا حبل ممدود بين ساريتين، فقال:
(ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي ?: لا، حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر، فليقعد) ().
ويتوعد النبي ? المتنطعين في الدين، المشددين على أنفسهم في العبادة بما لا يطيقون بالهلاك، فقال: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثًا ().
واستمع إلى قصة عبد الله بن عمرو بن العاص ? في طلبه الزيادة في العبادة بما لا يطيق، كيف انتهت قصته بتمني الاعتدال والتوسط الذي أرشده إليه النبي ?، حيث قال عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِي اللَّه عَنْهما: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ?: يَا عَبْدَاللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، [قال عبد الله بن عمرو عن نفسه]: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ؛ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ، قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام؟ قَالَ نِصْفَ الدَّهْرِ، فَكَانَ عَبْدُاللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ().
وفي حديث آخر يحذّر النبي ? عبد الله بن عمرو بن العاص ? من الانقطاع عن قيام الليل، فيقول فيه: (يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل) ().
¥