تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

السبب الثاني عشر: التعلق في الالتزام بالدين بالأحياء من الصالحين، وإنه السوس الذي ينخر في دين الإنسان من حيث لا يشعر، فكم يفرح المرء بهدايته، غير أنه لم يهتد إلا لأجل إعجابه بشخصية فلان، أو استحسانه صوته أو صورته، حتى يصل الأمر بأن يتبعه في كل شيء، ويقلده في كل أمر، فإذا ما أصيب قدوته بالفتور، لحقه فيه دون تردد، ولو انتكس، انقلب كما انقلب على عقبيه، وإنه لا يضر الله شيئا.

إنه يجب أن نقتدي في سائر عباداتنا بالنبي ?، وبسلفه الأخيار، لا نرتضي بهم بدلا، وليكن ذلك نبراسنا في دعوتنا الناس إلى منابر الهداية المضيئة، فإن الأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة.

يقول عبد الله بن مسعود ?: (من كان منكم مستنًا، فليستن بمن مات، أولئك أصحاب محمد ?، كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ?، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد ? كانوا على الهدي المستقيم) ().

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم

إن التشبه بالكرام فلاح

السبب الثالث عشر: الانشغال بالعلوم العلمية البحتة، والانفتاح على شتى وسائل تحصيلها، من دون تفريق بين ما حلّ منها وما حرم، كالتعذر في تعلم اللغة الإنجليزية برؤية الأفلام الأجنبية، أو الاطلاع على مواقع منحلة في شبكة الانترنت، أو السفر إلى الخارج من غير أخذ الأهبة الدينية التي يجب أن يتسلح المسلم بها قبل ذهابه إلى هناك، أو السكن مع إحدى الأسر الكافرة، والاختلاط بهم؛ بحجة إجادة التعلم والاضطرار إليه.

فكم فجع الإنسان في دينه، حينما رأى نفسه تنحدر من سبيل التعليم إلى سبيل الغواية والانحلال، وما ذاك إلا بسبب نظرة محرمة، وإنها لتقع في قلبه كالسهم المسموم، الذي يردي قلبه بعد الحياة ميتًا، وبعد الهداية ضالًا، فليحكّم الإنسان الشرع في أفعاله وتصرفاته، ولا يكن مفتيًا لذاته، حاكمًا بهواه، ? وما كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ?.

السبب الرابع عشر: الغفلة عن محاسبة النفس، فترى أحدنا يسير في هذه الدنيا ولم يجعل على نفسه حسيبًا، فتكثر عثراته، وتتضاعف زلاته، لا يعرف ما فعل، ولا يدرك ماذا قال، ولا يتراجع عن خطأ، ولا ينشط لفعل طاعة، كل تصرفاته مرتجلة، لا يضع لنفسه أهدافًا، ولا يسأل نفسه ماذا أنجز في يومه، وكم قصّر في حق ربه، وكم ضيّع من حقوق عباده ... .

فهل حاولنا أن نخلو بأنفسنا ساعة نحاسبها عما بدر منها من الأقوال والأفعال؟ وهل حاولنا يومًا أن نعد سيئاتنا كما نعد حسناتنا؟ بل هل تأملنا أن طاعتنا قد لا يخلو بعضها من الرياء والسمعة، كيف القدوم على الله _يا عباد الله _ ونحن لأنفسنا غير محاسبين، ولحساب الله غير مطيقين، قال عمر بن الخطاب ?: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية)).

إن محاسبة النفس _ أيها الأحبة _ هي من شأن الصالحين الأتقياء، المخبتين الأنقياء، المنيبين الأصفياء، الذين لبوا نداء الرحمن حينما قال: ? يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ?.

ألم تروا إلى الصديق ?كيف كان يمسك بلسانه ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد)، ألم تسمعوا عن عمر بن الخطاب ? أنه كان يضرب نفسه بدرته فيقول: ماذا فعلت اليوم؟ وأن الأحنف بن قيس ? كان يضع إصبعه على السراج فيقول: لماذا فعلت كذا وكذا يا حنيف؟

إنا لنفرح بالأيام نقطعها

وكل يوم مضى يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا

فإنما الربح والخسران في العمل

قال ميمون بن مهران: (لا يكون العبد تقيًّا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: (النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير