تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

• الوجه الأول: أنَّ النبي - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - لم يدفن في مسجده، إذ المسجد بناه - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - في حياته، وإنما دفن حيث قبض في أحد بيوته - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم -، وهي حجرة عائشة - رضي الله عنها -التي كانت بجوار المسجد وخارجة عنه، يفصل بينهما جدار فيه باب، وإنما دفنه الصحابة - رضي الله عنهم - في ذلك المكان عملاً بمقتضى الحديث، وحتى لا يتركوا مجالاً لمن بعدهم أن يتخذ قبره عيدًا ومسجدًا.

• الوجه الثاني: أن توسيع مسجده - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - في عهد خلافة عمر بن الخطاب ثمَّ في خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنهما - لم يُدخِلاَ القبر فيه، وإنما تَمَّ توسيعهما للمسجد من الجهات الأخرى دون تعرُّض للحجرة الشريفة عملاً بمقتضى الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد، وإنما أدخلت الحجرة النبوية في المسجد في أواخر القرن الأول في عهد خلافة الوليد بن عبد الملك الذي أمر بهدم المسجد النبوي وإضافة حُجُرِ أزواج رسول الله - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - إليه، وذلك سنة ثمان وثمانين من الهجرة (88ه)، كما صرَّح بذلك الطبري (26) وابن كثير (27)، وعليه يتجلَّى بوضوح أنَّ إدخال الحجرة الشريفة في المسجد ليس ممَّا أجازه الصحابة - رضي الله عنهم -، ولا أجمعوا عليه كما يَدَّعي - هداه الله - إذ لم يكن - آنذاك بالمدينة النبوية - أحدٌ من الصحابة على قيد الحياة، وكان آخرهم موتًا جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - سنة ثمان وسبعين (78ه)، ومع ذلك أنكر هذا العمل بعض كبار التابعين كسعيد بن المسيب - رحمه الله - (28).

قال الحافظ محمَّد بن عبد الهادي: «وإنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك، بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان من آخرهم موتًا جابر بن عبد الله، وتوفي في خلافة عبد الملك، فإنه توفي سنة ثمان وسبعين، والوليد تولى سنة ست وثمانين، وتوفي سنة ست وتسعين، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك، وقذ ذكر أبو زيد عمر بن شبَّة النميري في كتاب «أخبار المدينة» مدينة رسول الله - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - عن أشياخه عمن حدثوا عنه أنَّ عمر بن عبد العزيز لما كان نائبًا للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة، وعمل سقفه بالساج وماء الذهب، وهدم حجرات النبي - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه» (29)، فأين حصل إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - المزعوم يا ترى؟!

- وقوله - هداه الله -: «والسيدة عائشة - رضي الله عنها - تعيش في هذه الحجرة، وتصلي فيها صلواتها المفروضة والمندوبة، ألا يُعدُّ هذا فعل الصحابة وإجماعًا عمليًّا لهم».

فجوابه: أنَّ حجرة عائشة - رضي الله عنها - كانت مفصولةً بجدارٍ بينها وبين قبرِ النبي - صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم -، ويدلُّ عليه ما أخرجه أحمد في «مسنده» من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم -، وإني واضعٌ ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلمَّا دُفن عمر معهم فوالله ما دخلت إلاَّ وأنا مشدودة على ثيابي حياءً من عمر - رضي الله عنه -» (30).

فالحديث يشير إلى أنَّ عائشة - رضي الله عنها - كانت تدخل حجرتها بعدما فصلت بجدار عن قبر النبي - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم -: إذ لا يستقيم في العادة أن تبقى مشدودة على ثيابها فلا تضعه ولو في وقت راحتها. ويؤيِّده ما أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» أنَّ مالك بن أنس قال: «قُسم بين عائشة باثنين: قسم كان فيه القبرُ، وقسم كان تكون فيه عائشة، وبينهما حائط، فكانت عائشة ربما دخلت حيث القبر فُضُلاً، فلما دُفن عمر لم تدخله إلا وهي جامعة عليها ثيابها» (31).

• الوجه الثالث:

والذين أدخلوا القبر النبوي في المسجد مع اعترافهم بمخالفة الهدي الصريح في النهي عن بناء المساجد على القبور ومخالفة سنة الخلفاء الراشدين المهديين وسيرة الصحابة الكرام لذلك حاولوا تقليل المخالفة ما وسعهم بالمبالغة في الاحتياط درءًا للفتنة وصيانة لجناب التوحيد لئلاَّ يتخذ قبره عيدًا ووثنًا يعبد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير