ذلك. وليست دعوة للتعصب لجنس معين .. أبداً، وإنما: إشارة إلى ذوي الولاءات المتعددة. حتى لا نكثرهم بالبعثات، وفتح الأبواب لهم. فديننا لا يعرف الجنسية. والوزن بالتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وعلماء السلف جلهم من غير العرب، وحماة الدين بعد جيل الصحابة والتابعين من غير العرب. فليست عربية وإنما إسلامية تشير إلى ذوي الولاءات المتعددة كي نحذر منهم كان عرباً أو كانوا عجماً.
والمقصود هو بيان أن هؤلاء الخارجين على الدين .. رؤوس المذاهب لم يكونوا محل ترحيب، ولم يكونوا ممن يريدون الخير بل يريدون هدم الملة.
والعجيب أن عباس محمود العقاد يعرف هذا الأمر ويشير إليه، يقول: (وربما كمنت السياسة وراء دعوات المتفلسفين كما كانت وراء المصادرة من جانب الدولة وحكامها. لأن الزندقة التي كانت تتستر بستار الفلسفة إنما كانت في ناحية من نواحيها ثورة مجوسية ترمي إلى هدم الدولة الإسلامية وإقامة الدولة الفارسية في مكانها) (18)
الذي حصل: أنه بعد ضعف الدولة الإسلامية، وتسرب فكر علماء الكلام إلى الخلفاء (كالمأمون على سبيل المثال)، وجد هؤلاء متنفس، وصار لهم نوع من (الشرعية) المستمدة من السلطان، وليس من الشريعة الإسلامية.
الذي حصل أن عامة المثقفين مَلُّوا الخلاف والجدال فمالوا إلى الوسط بين الحق والباطل، فجاءنا باطل جديد انتشر بدعوى الوسطية.
الذي حصل أن نفوساً مريضة تحب التطفل، وتحب الغريب وغير المألوف، ذهبت إلى القوم بلا أي دافع سوى تعلم الغريب الشاذ، فحملت منهم وجاءت عندنا وباضت وفقس بيضها وشب فراخها.
هذا الذي حصل. واضح جلي في كل صفحات التاريخ.
وجاء عباس العقاد من بعدهم يقول لو لم يكن وجودهم هو صريح القرآن لما وجدوا!!
كعادته يستخف بعقل من يقرأ.!!
وقد أطال بن تيمية وابن القيم وغيرهم من علماء الإسلام في التصدي لأهل الفلسفة وأهل الفرق .. ، ولا أطيق حمل كتابات شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم، والغزالي ـ رحمهم الله ـ، وغيرهم، ووضعها هنا ملخصة في هذا البحث، ولا يطيقه القارئ. ولكن من شاء فليرجع إلى (درء تعارض العقل والنقل) و (
وما لي بمناقشة وضع الفلسفة في الفكر الإسلامي من حاجة ها هنا. ولا كان للعقاد بها حاجة حين تناولها في كتابه (التفكير فريضة شرعية) غير التدليل على أن وجودها في التاريخ الإسلامي أمارة على حرية التفكير في الإسلام. وهو كلام باطل كما مضى.
أبو جلال
محمد بن جلال القصاص
الأحد/ 30/ 05 /1430
24/ 05 /2009
========الهوامش=========================
(1) موسوعة عباس العقاد الإسلام / دار الكتاب / المجلد الخامس / دار الكتاب ـ بيروت / طبعة 1971/ 857 ـ 859
(2) التفكير فريضة إسلامية /858
(3) ص 858، 859
(1) يذكر صاحب مقاييس اللغة أن المراء يدور على أمرين: (مسح شيءٍ واستدرار) و (على صلابة في شيء). انظر مقاييس اللغة مادة مرى / 5/ 252
(2) أبو داود /4802، وانظر السلسلة الصحيحة 1/ 272، وربض الجنة أطرافها.
(3) أفضل من يقرأ له في المحكم والمتشابه هو الشيخ الدكتور عابد السفياني، وله أطروحات على الشبكة العنكبوتية، وأكتب من حفظي، وما منعي من التوثيق كسل، وأعلاه من الموافقات للشاطبي، وإعلام الموقعين، والقواعد الفقهية لابن عثيمين.
(7) في كتاب (الكذاب اللئيم زكريا بطرس وهو من جزئين) أكثر من مائة صفحة فيها بيان كيف تتكون شبهات النصارى، وأمثلة من كذبهم، وهي تصلح للاستشهاد هنا. وهذا كله من المحكم الإضافي.
(8) احتار العقاد في تأصيل معنى الصوفية في كتابه هذا (التفكير فريضة إسلامية)، وأتى على صوفة الذي كان يجيز الناس بعرفة ومنى في الجاهلية، وكلامه متخبط ولو يسع المقام أفردت له نقاشاً خاصاً، وخير منه في هذه النقطة جواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.
(9) التفكير فريضة إسلامية / 876
(10) ص 873
(11) 874
(12) السياسة من (ياسة .. كتاب التتار) أضيف إليها حرف السين ثم (أل) التعريف، وظهرت بعدد التتار
(13) ذكر ذلك الحافظ الذهبي في ترجمة معبد الجهني في سير أعلام النبلاء 4/ 187
(14) ذكر الدكتور سفر الحوالي في كتاب (الإرجاء) أن إرجاء الفقهاء ظهر قبل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان. وإنما عنيت هنا البدعة التي يفسق صاحبها أو يكفر في الإيمان وفي الأسماء والصفات والتي تسللت للدين عن طريق الجهم والجعد.
(15) الفتاوى 5/ 6
(16) يروي هذا الحافظ الذهبي في ترجمة ابن المقفع في سير أعلام النبلاء 9/ 412. وأخبار ابن المقفع مشهورة.
(17) انظر ترجمة يوحنا بن ماسوية الأعلام للزركلي 8/ 211، 210
(18) التفكير فريضة إسلامية / 875