تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن ذلك لا يسوغ تصحيح التصوف وقبوله، فإن الاشتراك في الوصايا الإنسانية، أو في بعض ما جاءت به الشريعة: لا يلزم منه التصحيح والقبول، إلا بشرط الاشتراك في الأصول الأساسية، وأصل دين الإسلام هو التوحيد الخالص لله وحده في: ربوبيته، وألوهيته. ومخالفة أية طائفة لهذا الأصل يقطع ما بينها وبين الإسلام من صلة، ولو اشتركت معه في أصل الزهد والذكر والمجاهدة .. إلخ.

* * *

- المسألة الثانية: تحليل موقف ابن تيمية من التصوف.

في تحليل موقف ابن تيمية، لا بد من ملاحظة أن ثناءه لم يكن على الفكرة الصوفية، بل على بعض الأئمة، وليس كلهم، ثم لم يكن ثناؤه عليهم بإطلاق، بل بكلمات صدرت عنهم تؤكد وجوب التقيد بالكتاب والسنة، ومن موقف كهذا لا يمكن انتزاع تزكية للفكرة والمذهب، فالثناء على الأشخاص لا يلزم منه تصحيح المذهب، وقد كان هذا منهجه، فردوده على المتصوفة وغيرهم من الفرق لم يكن يمنعه من التنويه والإشادة بما أصابوا فيه.

وهذا مفيد لعامة المتصوفة، الذين جعلوا من الشيخ إماما لا يخالفونه في شيء، ولو خالف الشرع، فاستثمار مثل هذه الكلمات لهدم هذا الصنم الصوفي المسمى بالشيخ، والعود بالمتصوفة إلى التقيد بالكتاب والسنة مكسب كبير، يدل على فطنة هذا الإمام، حيث استطاع نقض هذه الفكرة الغالية من الداخل، فالأتباع لا يسمعون إلا للمشايخ، فلم لا تستثمر كلماتهم في نقض مذهبهم؟.

ومما يؤكد أن ابن تيمية لم يقصد بثنائه على بعض الأئمة تزكية المنهج الصوفي: ردوده على البسطامي والحلاج وابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني وغيرهم، من الذين بينوا حقيقة التصوف، فالفكرة الصوفية كانت محل نقد الإمام، في قولهم: بالتشبه بالإله، والفناء، والحلول، والاتحاد، والوحدة [7]. حتى الهروي صاحب (منازل السائرين) كان محل نقد الإمام، إذ نسبه إلى القول بالحلول الخاص دون العام في كتابه الآنف، وحط عليه لأجل ذلك، هذا مع كونه من كبار أئمة المتصوفة، ومواقفه في باب الصفات معروفة [8].

* * *

بعد: فإن أهمية نقد الفكر الصوفي تأتي من جهتين:

الأولى – تتعلق بأصل الدين الأعظم، الذي به أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ولأجله خلق الجن والإنس: ألا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، والإعراض عن عبادة ما سواه، فالرد على المتصوفة في هذا الباب تحقيق لهذا الأصل، الذي خالفوه وعارضوه.

الثانية – الحضور الكبير للتصوف في العالم الإسلامي، فما من بلد إلا ولهم فيه وجود، وهم في بعضها السواد الأعظم، ونعني بذلك كل من انتسب إلى التصوف ولو ظاهرا بالاسم، فإن من المتيقن أن الذين يدركون حقيقة هذا الفكر من الصوفية أنفسهم: قليلون. وأما أكثرهم فلا يعرفون منه إلا الموالد والذكر، دون القضايا الفلسفية التي تمثل أصول الفكرة.

إن كل واحد من هذين الأمرين، منفردا، سبب كافٍ للكلام في التصوف عرضا ونقدا، فكيف إذا انضم بعضهما إلى بعض؟.

ومن هنا كان من المهم العناية بدراسة التصوف، ومعرفة المنهج الصحيح لذلك، ولعلي أسهمت ولو يسيرا في فتح هذا الباب. والله الموفق

لطف الله بن عبد العظيم خوجه

عضو هيئة تدريس بقسم العقيدة

جامعة أم القرى


[1]- من قول الجنيد. انظر: الرسالة للقشيري 1/ 117،118.
[2]- كان هذا سبيل كل من قسم التصوف إلى: إسلامي، وفلسفي. وهو تقسيم فاسد، لأنه يجعل من الفكرة الواحدة جامعة للنقيضين، وهو محال، فإما إيمان وإما كفر، أما الجمع بينهما فمحال، والتقسيم الصحيح هو المتعلق بالأشخاص، فيقال: متصوفة إسلاميين، ومتصوفة فلاسفة. وهذه مسألة تحتاج إلى بسط، ليس هذا موضعه.
[3]-قال: "ولعله أن يقال: كيف يمكن لدين أقامه محمد على التوحيد الخالص المتشدد أن يصبر على هذه النحلة الجديدة، بله أن يكون معها على وفاق؟. وإنه ليبدو أن ليس في الوسع التوفيق بين الشخصية الإلهية المنزهة، وبين الحقيقة الباطنة الموجودة في كل شيء، التي هي حياة العالم وروحه، وبرغم هذا فالصوفية بدل أن يطردوا من دائرة الإسلام، قد تقبلوا فيها!!. وفي تذكرة الأولياء شواهد على الشطحات الغالية للحلولية الشرقية". [الصوفية في الإسلام ص31]
[4]- انظر مثلا كتاب: "مدخل إلى التصوف الإسلامي" لأبي الوفا الغنيمي.
[5]- انظر كتابه: "مدخل إلى التصوف الإسلامي" ص19.
[6]- انظر اللمع للطوسي، باب: ذكر جماعة المشايخ الذين رموهم بالكفر ص497.
[7]- انظر: المجلد الثاني، والعاشر، والحادي عشر. من مجموع الفتاوى. فأما الثاني فقد خصص للرد على الغلاة.
[8]- انظر: الفتاوى 5/ 485.

المصدر
http://saaid.net/Doat/khojah/31.htm

ـ[هشام أبو يزيد]ــــــــ[27 - 05 - 09, 10:21 ص]ـ
مقال جيد بارك الله فيك

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير