و كان يطأ جارية له، و ينزل في أخرى.
و قالت سرية الربيع بن خيثم: كان الربيع يعزل.
و أما المطعم: فالمراد منه تقوية هذا البدن لخدمة الله عز وجل، و حق على ذي الناقة أن يكرمها لتحمله.
و قد كان النبي، يأكل ما وجد, فإن وجد اللحم أكله , و يأكل لحم الدجاج، و أحب الأشياء إليه الحلوى و العسل، و ما نقل عنه أنه امتنع من مباح.
و جيء علي بفالوذج فأكل منه، و قال: " ما هذا "؟ قالوا: يوم النوروز، فقال: " نوروزا كل يوم ".
و إنما يكره الأكل فوق الشبع، و اللبس على وجه الاختيال و البطر.
و قد اقتنع أقوام بالدون من ذلك، لأن الحلال الصافي لا يكاد يمكن فيه تحصيل المراد، و إلا فقد لبس النبي حلة اشتريت له بسبعة و عشرين بعيراً.
وكان لتميم الداري حلة اشتريت بألف درهم، يصلي فيها بالليل.
فجاء أقوام، فأظهروا التزهد، و ابتكروا طريقة زينها لهم الهوى، ثم تطلبوا لها الدليل.
و إنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل، لا أن يتبع طريقاً و يتطلب دليلها.
ثم انقسموا:
فمنهم:
_ متصنع في الظاهر، ليث الشرى في الباطن، يتناول في خلواته الشهوات، و ينعكف على اللذات. و يري الناس بزيه أنه متصوف متزهد، و ما تزهد إلا القميص، و إذا نظر إلى أحواله فعنده كبر فرعون.
_ و منهم: سليم الباطن، إلا أنه في الشرع جاهل.
_ و منهم: من تصدر، و صنف، فاقتدى به الجاهلون في هذه الطريقة، و كانوا كعمي اتبعوا أعمى.
و لو أنهم تلمحوا للأمر الأول، الذي كان عليه الرسول و الصحابة _رضي الله عنهم _ لما زلوا.
و لقد كان جماعة من المحققين،لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حاد عن الشريعة، بل يوسعونه لوما.
* فنقل عن أحمد أنه قال له المروذي: ما تقول في النكاح؟ فقال: " سنة النبي ".
فقال: قد قال إبراهيم.
قال: فصاح بي و قال: "جئتنا ببنيات الطريق؟ "
*و قيل له: إن سريا السقطي قال: لما خلق الله تعالى الحروف، و قف الألف و سجدت الباء، فقال:" نفروا الناس عنه ".
و اعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم، كما قال رجل لعلي بن أبي طالب: أتظن أنا نظن أن طلحة و الزبير، كانا على الباطل؟ فقال له: " إن الحق لا يعرف بالرجال، أعرف الحق تعرف أهله ".
و لعمري أنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام، فإذا نقل عنهم شيء فسمعه جاهل بالشرع قبله، لتعظيمهم في نفسه.
كما ينقل عن أبي يزيد، أنه قال: " تراعنت علي نفسي فحلفت لا أشرب الماء سنة ".
و هذا إذا صح عنه، كان خطأ قبيحاً , و زلة فاحشة، لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن، و لا يقوم مقامه شيء. فإذا لم يشرب فقد سعى في أذى بدنه. و قد كان ُيستعذب الماء لرسول الله صلى الله عليه و سلم.
أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له، و أنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكها.
و كذلك ينقلون عن بعض الصوفية، أنه قال: "سرت إلى مكة على طريق التوكل حافياً، فكانت الشوكة تدخل في رجلي فأحكها بالأرض و لا أرفعها، و كان علي مسح، فكانت عيني إذا آلمتني أدلكها بالمسح فذهبت إحدى عيني ".
و أمثال هذا كثير ..
و ربما حملها القصاص على الكرامات، و عظموها عند العوام، فيخايل لهم أن فاعل هذا أعلى مرتبة من الشافعي، و أحمد.
و لعمري، إن هذا من أعظم الذنوب و أقبح العيوب، لأن الله تعالى قال و لا تقتلوا أنفسكم.
و قال النبي عليه الصلاة و السلام:" إن لنفسك عليك حقاً" [متفق عليه].
و قد طلب أبو بكر، في طريق الهجرة للنبي، ظلا، حتى رأى صخرة ففرش له في ظلها [رواه البخاري].
و قد نقل عن قدماء هذه الأمة بدايات هذا التفريط، و كان سببه من وجهين:
أحدهما: الجهل بالعلم.
و الثاني: قرب العهد بالرهبانية.
* و قد كان الحسن يعيب فرقد السبخي، و مالك بن دينار، في زهدهما فرئي عنده طعام فيه لحم، فقال: " لا رغيفي مالك، و لا صحني فرقد ".
و رأى على فرقد كساء، فقال: "يا فرقد إن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية ".
وكم قد ذوق قاص مجلسه بذكر أقوام خرجوا إلى السياحة بلا زاد و لا ماء و هو لا يعلم أن هذا من أقبح الأفعال، و أن الله تعالى لا يجرب عليه.
فربما سمعه جاهل من التائبين فخرج فمات في الطريق، فصار للقائل نصيب من إثمه.
¥