تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* و كم يروون عن ذي النون: أنه لقي امرأة في السياحة فكلمها و كلمته، و ينسون الأحاديث الصحاح: "لا يحل لامرأة أن تسافر يوماً و ليلة إلا بمحرم". [متفق عليه]

* و كم ينقلون: أن أقواماً مشوا على الماء .. و قد قال إبراهيم الحربي:" لا يصح أن أحداً مشى على الماء قط ".

فإذا سمعوا هذا قالوا: أتنكرون كرامات الأولياء الصالحين؟

فنقول: لسنا من المنكرين لها، بل نتبع ما صح، و الصالحون هم الذين يتبعون الشرع، و لا يتعبدون بآرائهم.

و في الحديث: "إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم ". [رواه أبو داود]

و كم يحثون على الفقر حتى حملوا خلقاً على إخراج أموالهم، ثم آل بهم الأمر إما إلى التسخط عند الحاجة، و إما إلى التعرض بسؤال الناس.

و كم تأذى مسلم بأمرهم الناس بالتقلل، و قد قال النبي: "ثلث طعام، و ثلث شراب، و ثلث نفس ". [رواه أحمد]

فما قنعوا حتى أمروا بالمبالغة في التقلل.

فحكى أبو طالب المكي في " قوت القلوب ": أن فيهم من كان يزن قوته بكربة رطبة، ففي كل ليلة يذهب من رطوبتها قليل، و كنت أنا ممن اقتدى بقوله في الصبا، فضاق المعي و أوجب ذلك، مرض سنين.

أفترى هذا شيئاً تقتضيه الحكمة، أو ندب إليه الشرع؟

و إنما مطية الآدمي قواه، فإذا سعى في تقليلها، ضعف عن العبادة.

_ ولا تقولن: الحصول على الحلال المحض مستحيل, لذلك وجب الزهد تجنبا للشبهات, فإن المؤمن حسبه أن يتحرى في كسبه هو الحلال, ولا عليه من الأصول التي نبتت من هذه الأموال.

فإنا لو دخلنا ديار الروم، فوجدنا أثمان الخمور و أجرة الفجور، كان لنا حلالاً بوصف الغنيمة.

أفتريد حلالاً، على معني أن الحبة من الذهب لم تنتقل مذ خرجت من المعدن، على وجه لا يجوز؟

فهذا شيء لم ينظر فيه رسول الله.

أو ليس قد سمعت أن الصدقة عليه حرام، فلما تصدق على بريرة بلحم فأهدته، جاز له آكل تلك العين لتغير الوصف.

و قد قال أحمد بن حنبل "أكره التقلل من الطعام، فإن أقواماً فعلوه فعجزوا عن الفرائض ".

و هذا صحيح. فإن المتقلل لا يزال يتقلل إلى أن يعجز عن النوافل ثم الفرائض، ثم يعجز عن مباشرة أهله و إعفافهم، و عن بذل القوى في الكسب لهم، و عن فعل خير قد كان يفعله.

و لا يهولنك ما تسمعه من الأحاديث التي تحث على الجوع، فإن المراد بها إما الحث على الصوم , و إما النهي عن مقاومة الشبع.

فأما تنقيص المطعم على الدوام، فمؤثر في القوى، فلا يجوز.

ثم في هؤلاء المذمومين من يرى هجر اللحم، و النبي كان يود أن يأكله كل يوم.

و اسمع مني بلا محاباة: لا تحتجن علي بأسماء الرجال، فتقول: قال بشر، و قال إبراهيم بن أدهم. فإن من احتج بالرسول و أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ أقوى حجة. على أن لأفعال أولئك وجوهاً نحملها عليهم بحسن الظن.

و لقد ذاكرت بعض مشايخنا ما يروى عن جماعة من السادات، أنهم دفنوا كتبهم فقلت له: ما وجه هذا؟ فقال: "أحسن ما نقول أن نسكت"، يشير إلى أن هذا جهل من فاعله.

و تأولت أنا لهم، فقلت: لعل ما دفنوا من كتبهم، فيه شيء من الرأي، فما رأوا أن يعمل الناس به.

و لقد روينا في الحديث، عن أحمد بن أبي الحواري: أنه أخذ كتبه فرمى بها في البحر، و قال:" نعم الدليل كنت! و لا حاجة لنا إلى الدليل بعد الوصول إلى المدلول ".

و هذا ـ إذا أحسنا به الظن ـ قلنا: كان فيها من كلامهم ما لا يرتضيه.

فأما إذا كانت علوماً صحيحة، كان هذا من أفحش الإضاعة، و أنا و إن تأولت لهم هذا، فهو تأويل صحيح في حق العلماء منهم، لأنا قد روينا عن سفيان الثوري: أنه قد أوصى بدفن كتبه _ و كان ندم على أشياء كتبها عن قوم، و قال: حملني شهوة الحديث.

و هذا لأنه كان يكتب عن الضعفاء و المتروكين، فكأنه لما عسر عليه التمييز أوصى بدفن الكل.

و كذلك من كان له رأي من كلامه ثم رجع عنه، جاز أن يدفن الكتب التي فيها ذلك، فهذا وجه التأويل للعلماء.

فأما المتزهدون، الذين رأوا صورة فعل العلماء، و دفنوا كتباً صالحة لئلا تشغلهم عن التعبد، فإنه جهل منهم، لأنهم شرعوا في إطفاء مصباح يضيء لهم، مع الإقدام على تضييع مال لا يحل تضييعه.

و من جملة من عمل بواقعة دفن كتب العلم، يوسف بن أسباط، ثم لم يصبر عن التحديث فخلط، فعد في الضعفاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير