تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والوقفة السادسة عشرة: ذكر معاليه أن في مقالتي غمزاً؛ فراجعتُ مقالتي، وتفقَّدت ذنوبي: فما وجدت سوى موضوع ربما كان هو محل الشك؛ وذلك هو كلامي عن الغزل الإلهي - تعالى الله - عند الصوفية، ومعاليه يميل إلى التصوف، ولا أظن أنه يغلو، وكان يدعو إلى الواجب من حب رسول الله ژ، فظن معاليه أنني أغمز بهذا. قال أبوعبدالرحمن: كفى بالله عليَّ حسيباً أنني لا أُعرِّض إلا بالفجرة من الحلوليين والاتحاديين؛ لهذا أشرح لمعاليه موقفي من التصوف إظهاراً للحق، وهو بحمد الله أقدر على معرفة الحق بما منحه الله من علم ومواهب؛ فالتصوف عندي - وإن لم يكن مصطلحاً شرعياً - على ثلاثة أنحاء:

النحو الأول: تصوُّف على اصطلاح القوم، وإلا فالصوفية ليست من اصطلاح الشريعة، وهو تصوف المحسنين الذين نُشهد الله على حبهم، وهو زُهد: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزهد صاحبيه رضي الله عنهما، وزهد من هو دونهما من التقشُّف والورع ادِّخاراً لنعيم الله يوم التغابن وتفاوت الملك الكبير، مع الاستمتاع بطيبات الرزق أحياناً، لتعليم الأمة بالإباحة؛ ولفعل المباح .. وفي هذا الزمان في ذنب الدنيا يستحب الزهد مع التوسيع على رعيتك بالرزق .. ولكن أين نحن من ذلك؟؛ فهندامنا أنيق، وهكذا مركبنا ومسكننا ومأكلنا ومشربنا وأثاثنا، وكله بأغلى الأثمان؛ فلا نملك من الزهد إلا شكر المنعِم جل جلاله بالنية والقول والعمل .. وأما حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإحياء سيرته العطرة: فليس من الزهد، بل هو من أوجب الواجبات بلا غلوِّ كما فعل النصارى، ولا جفاء كما فعل اليهود وُضلال النحل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوتنا، وسيرته تُرقِّق قلوبنا، ومن لم يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس مؤمناً، ولا يكمل الإيمان حتى يكون هو بأبي وأمي أحب إلينا من أنفسنا وولدنا ووالدينا وأهلنا، وكل هذ الحبِّ فرعٌ لا يصح إلا بعد طاعته صلى الله عليه وسلم فيما بلَّغه عن ربه سبحانه وتعالى بوحي مَتْلُو وغيرِ متلو؛ لقوله سبحانه القطعي دلالة وثبوتاً: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (سورة آل عمران/ 31)؛ فحبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حبنا لله، ومن فضله بعد الله علينا بهديه الكريم .. ولكن علينا أن نستحيِيَ من ربنا سبحانه في دعوى حُب كاذبة؛ فنزعم أننا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من صحابته رضوان الله عليهم الذين هم خيار الأمة؛ فنحدث من الطقوس ما لم يحدثوه، وننصرف عن نصوص الشرع القطعية إلى التعبد لله بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وماشغلهم جلال وجمال السيرة النبوية العطرة عن الإدلاج الطويل لمعرفة أحكام الشريعة، وأداء العبادات المشروعة النافلة والمستحبة .. والضعيف في مثل هذا الموطن باطل؛ لأنه مخالف لنصوص قطعية .. كما لا نتعبد لله بالحكايات والمنامات والأشعار واعتقاد الولاية لمن ليس بولي من مبتدع أو كذاب ليست سيرته سنة نبوية؛ فمن أطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء الواجب، وترْكِ المنهيِّ عنه، ومغالبة النفس وجهادها في فعل المستحب وترك المكروه، والتوسُّع بالمباح وشكرِ الله عليه: فقد دخل في صميم الحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ودخل الحب في سويداء قلبه، وعصر قلبه الألم في كل مصيبة دنيوية أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعدائه، ومقت أعدائه ولعنهم بقلبه ولسانه وفعله .. ويهتز طرباً لما أنعم الله على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويحب لذلك أحب الناس إليه وإلى نصرته الأقرب فالأقرب من الصِّدِّيق إلى الفاروق إلى بقية العشرة، إلى أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم؛ ويهتز طرباً أيضا لبسمة يبتسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرحه، ويغلب عليه حلم اليقظة بأن تهفو نفسه إلى حضور مشاهِده عليه الصلاة والسلام، فيحلم بأنه فيها؛ لشدة تأثره، وتدمع عينه لما يراه من رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمواقفه كلما حز به أمر كدعائه اللحوح يوم بدر حتى أشفق عليه أبوبكر الصديق رضي الله عنه .. ثم إن النية التي يصدر عنها الحب نيتان: نية المقصود بالعمل وهو الله سبحانه، ولا تصح ولا تقبل هذه النية إلا بالنية الأخرى وهي (تمييز العمل المقصود)، وهو ما كان عليه أمر الشرع أو نهيه، وهو على

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير