4 - ويجب على هذا أن يكون الأمر هو النهي والإثبات هو النفي وقصة نوح هي قصة هود ولوط وأحد الضدين هو الآخر، وهذا قول من لا يستحيي، ويشبه قول السوفسطائية.
وقد بلغني عن واحد منهم أنه قيل له: سورة البقرة هي سورة آل عمران؟ قال نعم! ".
وقال ابن تيمية: " وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ فَسَادَ هَذَا – أي مذهبهم في إنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ: فَإِنَّ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ كَانَ تَوْرَاةً وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بالسريانية كَانَ إنْجِيلًا - مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ، وَالْعُقَلَاءُ الْكَثِيرُونَ لَا يَتَّفِقُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَجَحْدِ الضَّرُورَاتِ مِنْ غَيْرِ تَوَاطُؤٍ وَاتِّفَاقٍ، كَمَا فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَأَمَّا مَعَ التَّوَاطُؤِ فَقَدْ يَتَّفِقُونَ عَلَى الْكَذِبِ عَمْدًا وَقَدْ يَتَّفِقُونَ عَلَى جَحْدِ الضَّرُورَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَاحِدٌ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ حَقِيقَةَ الْقَوْلِ الَّذِي يَعْتَقِدُهُ لِحُسْنِ ظَنِّهِ فِيمَنْ يُقَلِّدُ قَوْلَهُ، وَلِمَحَبَّتِهِ لِنَصْرِ ذَلِكَ الْقَوْلِ كَمَا اتَّفَقَتْ النَّصَارَى وَالرَّافِضَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الطَّوَائِفِ عَلَى مَقَالَاتٍ يُعْلَمُ فَسَادُهَا بِالضَّرُورَةِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ: نَحْنُ إذَا عَرَّبْنَا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى الْقُرْآنِ؛ بَلْ مَعَانِي هَذَا لَيْسَتْ مَعَانِي هَذَا وَمَعَانِي هَذَا لَيْسَتْ مَعَانِي هَذَا. وَكَذَلِكَ مَعْنَى: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " لَيْسَ هُوَ مَعْنَى: " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ " وَلَا مَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ هُوَ مَعْنَى آيَةِ الدَّيْنِ ". مجموع الفتاوى (12/ 121 - 122).
ورحم الله الإمام العز بن عبد السلام – وهو من أئمة الأشعرية – حيث سئل: كيف يعقل شيء واحد هو أمر ونهي وخبر واستخبار؟. فقال: ما هذا بأول إشكال ورد على مذهب الأشعري. نقله شيخ الإسلام في التسعينية ص951
المسلك الرابع: مسلك الآمدي، وهو التوقف، حيث صرح بأنه ليس عنده جواب لهذا الإشكال، قال بعد كلامه آنف الذكر: " والحق أن ما أوردوه من الإشكال على القول باتحاد الكلام وعود الاختلاف الى التعلقات والمتعلقات، مُشكلٌ!، وعسى أن يكون عند غيري حله ".
وبهذا يتبين أن الأشعرية عجزوا عن جواب هذا الإشكال، فوقعوا في هذا التناقض العظيم.
ما يلزم الأشعرية من هذا التناقض:
يلزم الأشعرية أحد أمرين:
الأول: إما أن ينخلعوا عن إثبات الصفات، ويأخذوا بقول الفلاسفة والمعتزلة، الذي هو تعطيل لصفات الباري وجحد لها.
الثاني: أن ينقضوا مذهبهم في الكلام النفسي، وليصيروا بعد ذلك:
- إما إلى مذهب الجهمية في أن القرآن مخلوق، وأن معنى كونه متكلماً أنه يخلق في غيره الكلام، وقد قال بتكفيرهم خمسمئة إمام من أئمة السنة.
- أو يصيروا إلى أهدى الطرق وأقوم السبل، إلى مذهب أهل الحديث في أن الله تعالى يتكلم متى شاء بما شاء كما شاء، لا حصر لكلامه ولا نفاد، قال وهو أصدق القائلين: " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا " وقال: " وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ".
ونظم هذا المعنى الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله تعالى في سلم الوصول:
كَلاَمُهُ جَلَّ عَنِ الإِحْصَاءِ = وَالحَصْرِ وَالنَّفَادِ وَالْفَنَاءِ
لَوْ صَارَ أَقلاَماً جَميعُ الشَّجَرِ = وَالبَحْرُ تُلقَى فِيهِ سَبْعُ أبْحُرِ
وَالْخَلْقُ تَكتُبْهُ بِكُلِّ آنِ = فَنَتْ وَلَيْسَ القَوْلُ مِنهُ فَانِ
وقال الشيخ محمد سالم بن عبد الودود الشنقيطي رحمه الله تعالى:
وَيَتَكَلَّمُ مَتَى شَاءَ بِمَا=شَاءَ كَمَا شَاءَ لَوَ انَّ الكَلِمَا
مِدَادُهُ البَحْرُ بِسَبْعَةٍ أُمِدْ=وَشَجُرُ الأرْضِ قِلامٌ مَا نَفِدْ