تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والله تعالى يقول: ((يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)) [الحجرات: 6] ويقول تعالى: ((والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)) [الأحزاب: 58] ويقول تعالى: ((ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا)) [النساء: 112] ويقول تعالى: ((وقد خاب من افترى)) [طه: 61].

وهذا المتهم (الشيخ سبيع حمزة حاكمي الحمصي) مر على قصة العتبي أثناء تحقيقه صفحة (284 ـ 285) من طبعته ولم يعلق عليها شيئا، مع أن هذه القصة ليس لها إسناد صحيح، ومتنها مخالف للأحاديث الصحيحة، وسكت عنها وكأنها قصة صحيحة مسلم بها، وقد قال الحافظ محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذ الحافظ المزي في كتابه (الصارم المنكي في الرد على السبكي): ((ذكرها الحافظ البيهقي في (شعب الإيمان) بإسناد مظلم)) قال: ((ووضع لها بعض الكذابين إسنادا إلى علي رضي الله عنه)) وقال أيضا ابن عبدالهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي صفحة (430): ((هذا خبر موضوع، وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه، ولا يحسن المصير إليه، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض)) اهـ.

وقد أخطأ الإمام النووي رحمه الله حيث ذكر هذه القصة وسكت عليها، وكان الأولى أن لا يذكرها حتى لا يغر بها القراء ويستشهدوا بها، أقول: كيف تصح هذه القصة وفيها يقول العتبي: جاء الأعرابي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: جئتك مستغفرا من ذنبي، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبره، والله تعالى يقول في كتابه: (ومن يغفر الذنوب إلا الله) [آل عمران: 133] أي لا يغفرها أحد سواه، قال الحافظ ابن عبدالهادي الحنبلي: ((ولم يفهم أحد من السلف والخلف من الآية الكريمة (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) [النساء: 64] إلا المجيئ إليه في حياته صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم)) اهـ.

وهذه قضية لها علاقة بالعقيدة والتوحيد، فلا يجوز التساهل فيها والسكوت عنها، وإن عقائد السلف الصالح أنهم يعبدون الله تعالى وحده ولا يشركون به شيئا، فلا يسألون إلا الله تعالى، ولا يستعينون إلا بالله عز وجل، ولا يستغيثون إلا به سبحانه، ولا يتوكلون إلا عليه جل وعلا.

ويتوسلون إلى الله تعالى بطاعته وعبادته والقيام بالأعمال الصالحة لقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) [المائدة: 35] أي تقربوا إليه بطاعته وعبادته سبحانه وتعالى.

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)) وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ((قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا) وقال الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام رحمه الله: ((عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول)) وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: ((إلزم طرق الهدى ولا يغرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين)).

هذا وإن شريعة الله تعالى محفوظة من التغيير والتبديل، وقد تكفل الله تعالى بحفظها فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر: 9]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديثه: (يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.

نسأل الله تعالى أن يهدينا للعقيدة الصافية، والسريرة النقية الطاهرة، والأخلاق المرضية الفاضلة عند الله تعالى، وأن يعافينا من اتهام الأبرياء وأن يحيينا على الأسلام وأن يميتنا على الإيمان وشريعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ونسأله تعالى أن يلهمنا الصواب في القول والعمل.

قال تبارك وتعالى: ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) [الأحزاب: 70 ـ 71].

كما نسأله تعالى أن يجعل قلوبنا طاهرة من الحقد والحسد، وعامرة بذكر الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يلهمنا القول بالحق في الرضى والغضب، وأن يرزقنا التقوى في السر والعلانية (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) [المدثر: 56] إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

طالب العلم الشريف

العبد الفقير إلى الله تعالى العلي القدير

(عبدالقادر الأرنؤوط)

التوقيع

دمشق 1 ربيع الأول 1413 هـ

29 آب 1992 م

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير