كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله " أخرجه النسائي برقم (887) وسنده صحيح.
قالوا: قوله: " إذا كان قائماً في الصلاة. . . " يُحْمل على عموم القيام، فيشمل القيام الأول والقيام الذي
بعد الركوع، ومن خصص القبض بالقيام الأول فعليه الدليل.
2 ـ واستدلوا بما جاء في حديث أبي حميد الساعدي عند البخاري برقم (828) وفيه: ". . . فإذا رفع
رأسه استوى، حتى يعود كل فقار إلى مكانه. . " قالوا: يعني صلى الله عليه وآله وسلم مكانه الشرعي
السابق، فيشمل هذا اليدين أيضاً.
وبنحو ذلك رواية: " حتى يعود كل مفصل أو عظم إلى موضعه ".
3 ـ واستدلوا بأن السنة قد جاءت ببيان موضع اليدين في جميع هيئات الصلاة، فيُحمل هذا الموضع
المختلف فيه على القيام الأول المتفق عليه، ويأخذ بذلك حكمه.
4 ـ قالوا: والوضع بعد الركوع، يناسب هيئة الخشوع، كما روعي ذلك في القيام الأول.
5 ـ قالوا: ولم يقل أحد من أهل العلم بإرسال اليدين في هذا الموضع، فكان القول بالإرسال غريباً.
والجواب على هذه الأدلة فيما يلي:
أولاً: أما حديث وائل بن حجر فبالرجوع إلى روايات الحديث وألفاظه، نجد أن الحديث قد جاء بعدة ألفاظ:
(أ) فعند أبي شيبة برقم (3938) والبيهقي (2/ 28) من طريق موسى بن عمير عن علقمة بن وائل
عن أبيه، قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وضع يمينه على شماله في الصلاة " وأنظره
في " مسند أحمد " (4/ 316) وسنده صحيح.
(ب) الرواية الثانية بلفظ: " كان إذا كان قائماً في الصلاة، قبض بيمينه على شماله " أخرجه النسائي
برقم (887) وسنده صحيح، وهي من طريق موسى بن عمير أيضاً، وقد توبع من قيس العنبري في
بعض المواضع.
(ج) وعند ابن عبد البر في " التمهيد " (20/ 72): من طريق موسى بن عمير عن علقمة عن وائل:
" أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا قام إلى الصلاة، قبض على شماله بيمينه " وسنده
صحيح.
ومن طريق موسى به: " رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الصلاة يأخذ شماله بيمينه ".
فهذه ثلاث روايات أو أربع كلها عن موسى بن عمير العنبري، وهو ثقة، عن علقمة بن وائل عن أبيه،
وقد أثبت البخاري رحمه الله سماع علقمة من أبيه، كما في " التاريخ الكبير " (7/ 41) فهو مقدم على
نفي ابن معين للسماع، فالسند صحيح.
ومن نظر في هذه الروايات: علم أن الرواية (أ) عامة في وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
فهل يقول المخالفون لنا بهذا العموم؟
فإن قالوا: وردت السنة ببيان موضع اليدين في جميع هيئات الصلاة فيحمل هذا العموم على القيام بذلك،
وللرواية (ب).
فالجواب: أننا لا نسلم بأن السنة قد بينت موضع اليدين في كل مواضع الصلاة، فموضع اليدين في
الجلوس بين السجدتين، لم يرد حديث صحيح فيه، وموضع اليدين في جلسة الاستراحة، لم يرد دليل فيه
، فهل سيقولون بالضم أو القبض فيهما؟ ومن المعلوم أنه لا قائل بذلك ـ فيما أعلم ـ والله أعلم.
فإن انتقلوا إلى الرواية (ب) قلنا لهم:
أصبتم، فإن المراد بالرواية (أ) القيام، لكن الرواية (ب) أيضاً مخصصة، وليست على العموم،
وجوابكم على الرواية (أ) هو جوابنا عليكم في الرواية (ب).
فنقول: قد جاءت رواية صحيحة تبين أن المراد بالقيام هو الأول، فقول وائل: " كان إذا قام إلى الصلاة "
لا يفهم منه إلا القيام الأول، وفرق بين هذا اللفظ، وبين قوله: " كان إذا قام في الصلاة " فالأول خاص
بالقيام الأول، والثاني عام في القيامين، كما لا يخفى.
ويوضح ذلك الرواية الأخرى: " رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الصلاة، يأخذ شماله
بيمنه " فدخوله الصلاة محمول على القيام الأول.
فهذه طريق واحدة: " موسى بن عمير عن علقمة عن أبيه " نقلت لنا الحديث بألفاظه السابقة، فلا يشك
حديثي أن هذا من باب الرواية بالمعنى، وقد ورد الحديث عاما في الصلاة، وخصص في رواية أخرى
بالقيام، وهذه الرواية المخصصة عامة من جهة أخرى، حيث شملت القيامين، فجاءت الرواية الثالثة
مخصصة تخصيصاً آخر، وهو جعل الضم في القيام الأول فهل يليق بعد ذلك أن يتشبث أحد بعموم الرواية
¥