تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نفسه فمن ادعى أنهما متغايران فقد كابر العينان وادعى مالا يأتي عليه بدليل أبدا ونحن نجد ان لو فتح في حائط بيت مغلق كوتان ثم جعل على أحداهما ستر أسود وتركت الأخرى مكشوفة لما فرق الناظر من بعد بينهما أصلا ولو جعل على أحداهما ستر أحمر أو أصفر أو أبيض لتبين ذلك للناظر يقينا من بعد أو قرب وهذا بيان أن السواد والظلمة سواء وبرهان آخر حسي وهو أن خطوط البصر إذا استوت فلا بد من أن تقع على شيء ما لم يقف فيه مانع من تماديها ونحن نشاهد من بين يديه ظلمة أو هو فيها لا يقع بصره على حائط أن كان في الظلمة وسواء كان فيها حائط مانع من تمادي خط البصر أو لم يكن فصح يقينا أن الظلمة لا ترى بل هي مانعة من الرؤية والظلمة هي السواد والسواد هو الظلمة لم يختلف قط في هذا اثنان لا بطبيعة ولا بشريعة ولا في معنى اللغة ولا بالمشاهدة فقد صح أن السواد لا يرى أصلا وأنه ليس لونا

قال أبو محمد وإنما وقع الغلط على من ظن أن السواد يرى لأنه أحس بوقوع خطوط البصر على ما حوالي الشيء الأسود من سائر الألوان فعلم بتوسط إدراكه ما حوالي الأسود أن بين تلك النهايات شيئا خارجا عن تلك الألوان فقدر أنه يراه ومن ها هنا عظم غلط جماعة ادعوا بظنونهم من الجهة التي ذكرنا أنهم يرون الحركات والسكون في الأجرام والأمر في كل ذلك وفي الأسود واحد ولا فرق فإن قال قائل أنه إن كان في جسم الأسود زيادة ناتئة سوداء كسائر جسده رأيناها فلو لم تر لم تعلم بنتوء تلك الهيئة الناتئة له على سطح جسده قيل له وبالله تعالى التوفيق هذا أيضا وهم لأنه لما لم يمتد خط البصر عند قبض تلك الهيئة الناتئة له وامتدت سائر الخطوط إلى أبعد من تلك المسافة وعلمت النفس بذلك توهم من لم يحقق أن هذه رؤية وليست كذلك وتوهموا أيضا أنهم يرون السواد ممازجا لحمرة أو لغبرة أو لخضرة أو لصفرة أو لزرقة فإذا كان هكذا فإن البصر يرى ما في ذلك السطح من هذه الألوان على حسب قوتها وضعفها فقط فيتوهمون من ذلك أنهم رأوا السواد ويتوهمون أيضا أنهم يرونه لأنهم قالوا نحن نميز الأسود البراق البصيص واللمعان من الأسود إلا كدر الغليظ قال أبو محمد وهذا مكان ينبغي أن نتثبت فيه فنقول وبالله تعالى التوفيق أن الأملاس هو استواء أجزاء السطح والخشونة هي تباين أجزاء السطح وقد نجد أملس لماعا وأملس كدرا فإذ ذلك كذلك فالبصيص واللمعان شيء آخر غير استواء أجزاء السطح وإذ هو كذلك وهو مرئي فالبصيص بلا شك لون آخر محمول في اللون بالحمرة أو الصفرة أو سائر الألوان وفيما عري من جميع الألوان سواء فإذا قلنا أسود لماع فإنما تريد أنه ليس فيه من الألوان إلا اللمعان فقط فهو لون صحيح وقد عرى من الحمرة ومن الصفرة ومن البياض والخضرة والزرقة ومما تولد من امتزاج هذه الألوان ولعل الكدرة أيضا لون آخر مرئي كاللمعان وهي أيضا غير سائر الألوان فهذا ما لا يوجد ما يمنع منه بل الدليل يثبت أن الكدرة أيضا لون وهو وقوع البصر عليها وهو لا يقع إلا على لون ومن أبى من هذا كلفناه أن يحد لنا اللمعان والكدرة فإنه لا يقدر على شيء أصلا غير ما قلنا وبالله تعالى التوفيق

فإن قال قائل فإنا نرى الثوب الأسود يستبين نسج خيوطه ونتوء ما نتأ منها وانخفاض ما انخفض فلولا أنه يرى ما علم ذلك كله

فالجواب وبالله التوفيق أنا قد علمنا أن خطوط البصر تخرج من الناظر ولها مساحة ما وبعضها أطول من بعض بلا شك لأن الخطوط الخارجة من البصر إلى السماء أطول من الخطوط الخارجة من البصر إلى الجليس لك بلا شك فلما خرجت خطوط البصر إلى الثوب المذكور انقطع تمادي بعضها أكثر من تمادي البعض فبالحس علمنا هذا لا لأن بصرنا وقع على لون أصلا وأيضا فإن النور هو اللون الذي طبعه بسط قوة الناظر واستخراج قوى البصر حتى أنه إذا وافق ناظرا ضعيف البنية بطبعه أو بعرض اجتلب جميعه واستلبه كله أو اقتطفه فعلى قدر قوة النور في اللون المرئي وضعفه فيه يكون وقوع البصر عليه هذا أمر مشاهد بالعيان فكلما قل النور في اللون كان وقوع البصر عليه أضعف وكانت الرؤية له أقل حتى إذا عدم النور جملة ولم يبق منه شيء فقد بطل بالضرورة أن يمتد خطوط البصر إليه وأن يقع الناظر عليه إذ لا نور فيه ولا يختلف ذو حس في العالم في أن السواد المحض الخالص ليس فيه شيء من النور فإذ لا شك في هذا فلا شك في أنه يرى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير