وَقَالَ تَعَالَى: ((مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)).
وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ إلا أَجْسَامُ مَا هُوَ مُتَشَابِهٌ.
َأَمَّا التَّثْلِيثُ وَالتَّرْبِيعُ وَالتَّخْمِيسُ وَ التَّسْدِيسُ وَغَيْرُ ذَلِكَ: فَفِيهَا تَفَاوُتٌ وَاخْتِلافٌ بِالزَّوَايَا وَالأَضْلاعِ لا خِلافَ فِيهِ وَ لا تَفَاوُتَ ; إذْ الاسْتِدَارَةُ الَّتِي هِيَ الْجَوَانِبُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي سُنَنِ أَبِي داود وَغَيْرِهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جهدت الأَنْفُسُ وَهَلَكَ الْمَالُ ; وَجَاعَ الْعِيَالُ فَاسْتَسْقِ لَنَا ; فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك وَنَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ: فَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: ((وَيْحَك إنَّ اللَّهَ لا يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ إنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ هَكَذَا وَ قَالَ بِيَدِهِ مِثْلُ الْقُبَّةِ وَ أَنَّهُ يَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ)).
فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْعَرْشَ عَلَى السَّمَوَاتِ مِثْلُ الْقُبَّةِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْعُلُوِّ وَالإِدَارَةِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَسَقْفُهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ)).
وَ الأَوْسَطُ لا يَكُونُ أَوْسَطَ إلا فِي الْمُسْتَدِيرِ.
وَ قَدْ قَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: السَّمَاءُ عَلَى الأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ.
وَ الآثَارِ فِي ذَلِكَ لا تَحْتَمِلُهَا الْفَتْوَى ; وَإِنَّمَا كَتَبْت هَذَا عَلَى عَجَلٍ.
وَالْحِسُّ مَعَ الْعَقْلِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَعَ تَأَمُّلِ دَوَرَانِ الْكَوَاكِبِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْقُطْبِ فِي مَدَارٍ ضَيِّقٍ حَوْلَ الْقُطْبِ الشَّمَالِيِّ ثُمَّ دَوَرَانِ الْكَوَاكِبِ الْمُتَوَسِّطَةِ فِي السَّمَاءِ فِي مَدَارٍ وَاسِعٍ وَكَيْفَ يَكُونُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَفِي آخِرِهِ؟ يُعْلَمُ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ مَنْ رَأَى حَالَ الشَّمْسِ وَقْتَ طُلُوعِهَا وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا فِي الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ عَلَى بُعْدٍ وَاحِدٍ وَشَكْلٍ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ عَلِمَ أَنَّهَا تَجْرِي فِي فَلَكٍ مُسْتَدِيرٍ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَبَّعًا لَكَانَتْ وَقْتَ الاسْتِوَاءِ أَقْرَبَ إلَى مَنْ تُحَاذِيهِ مِنْهَا وَقْتَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَدَلائِلُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ.
وَأَمَّا مَنْ ادَّعَى مَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَهُوَ مُبْطِلٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ مَعَهُ دَلِيلا حِسَابِيًّا ; وَهَذَا كَثِيرٌ فِيمَنْ يَنْظُرُ فِي الْفَلَكِ وَأَحْوَالِهِ كَدَعْوَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّهُ يَغْلِبُ وَقْتَ طُلُوعِ الْهِلالِ لِمَعْرِفَةِ وَقْتِ ظُهُورِهِ بَعْدَ اسْتِسْرَارِهِ بِمَعْرِفَةِ بَعْدَهُ عَنْ الشَّمْسِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ وَضَبْطِهِمْ " قَوْسَ الرُّؤْيَةِ " وَهُوَ الْخَطُّ الْمَعْرُوضُ مُسْتَدِيرًا - قِطْعَةٌ مِنْ دَائِرَةٍ - وَقْتَ الِاسْتِهْلالِ.
فَإِنَّ هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ الأَعْلامُ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَمَلِ بِذَلِكَ فِي الْهِلالِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْحِسَابِ الْعُقَلاءُ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ ظُهُورِ الْهِلالِ لا يُضْبَطُ بِالْحِسَابِ ضَبْطًا تَامًّا قَطُّ.
وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ حُذَّاقُ الْحِسَابِ ; بَلْ أَنْكَرُوهُ.
¥