أما إسناد مركب من رواة روى لهم صاحبا الصحيحين في أسانيد متفرقة، فلا يحكم على هذا الحديث بأنه على شرط أحدهما.
فقد ثبت أن الإمامين قد انتقيا من روايات الضعفاء و المختلف فيهم ما تبين لهم أنه صحيح، أو له متابع، وعندئذ لا يمكن أن نقول عن كل راو ضعيف نجده في سند ما: إنه من رجال الصحيح، فضلا على أن نقبل حديثه بناء على ذلك.
و الدار وردي روى له الإمام مسلم حديثا معينا، وروى له البخاري مقرونا، ولم يكثرا عنه، وهذا يعني أنهما انتقيا من حديثه ما ثبت لديهما أنه صحيح.
3 ـ حديث أبي هريرة هذا،قال عنه جمع من العلماء منهم ابن القيم في" زاد المعاد": إنه مضطرب، انقلب على راويه، فقد ورد بصيغة مختلفة.
فرواه البيهقي في" السنن" {100/ 2} وغيره من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:" إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه و لا يبرك بروك الجمل".
و إن كان في إسناده عبد الله بن سعيد المقبري الذي تركوه، فقد ورد من طريق أخرى، طريق سعيد بن منصور عن عبد العزيز عن محمد بن عبد الله عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل وليضع يديه على ركبتيه".
قال البيهقي:"كذا قال على ركبتيه، فإن كان محفوظا كان دليلا على انه يضع يديه على ركبتيه عند الإهواء إلى السجود".
4 ـ قال الشيخ الألباني:"إن الدار وردي لم يتفرد به بل توبع عليه في الجملة، فقد أخرجه أبو داود و النسائي، والترمذي من طريق عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن به مختصرا بلفظ:" يعمد أحدكم في صلاته فيبرك برك الفحل"!
قال:" فهذه متابعة قوية، فإن ابن نافع ثقة أيضا من رجال مسلم كالدار وردي"
قلت: كم كرر الشيخ أن الدار وردي من رجال مسلم، وهذه صفة لا تكفي الدار وردي وقد تكلموا فيه، ووصفوه بأنه يخطيء إذا تفرد، والشيخ ـ رحمه الله ـ ضعف أحاديث لمسلم وفيها رجاله، بل قد أجمع المحدثون على صحتها.
و ما يسميه الشيخ" متابعة قوية" قد يقول عنه غيره:إنه مخالفة قوية.
وهو كذلك يدل على أن المخطيء في حديث الأصل {حديث أبي هريرة} هو الدار وردي.
ويسلم الأمر للشيخ لو أن معه نصا يدل على أن ركبة البعير في يديه، وهو إنما أخذ هذا عن بعض أهل اللغة، وقد خالفهم غيرهم من أهل صناعتهم مثل: ابن قتيبة، والفيروز آبادي و يقوت الحموي و ابن القيم.
أما ما رجحه الشيخ، وهو قول ابن منظور و الطحاوي فمأخوذ عن محمد بن زياد {ابن الأعرابي} ذكره عنه القالي في " أماليه" بدون سند ولا نقل، وعادة أهل اللغة الاستشهاد بالشعر و النثر، وهذا التقسيم الذي ذكره ابن الأعرابي لم ينسبه لأحد من العرب معين.
و أهل اللغة ـ كما هو معروف ـ قسمان: المتكلمون بها وناقلوها، فمالم يثبت ذلك عن المتكلمين بها، ولم يذكر الناقلون السند و الشاهد لم يكن في قولهم حجة صحيحة.
و أصحاب الإبل لا يقولون بان ركبتي البعير في يديه، فإن أطلقه بعض الناس فعلى سبيل التغليب،فإذا غاصت قوائمه الأربع في الرمل، قيل: قد غاص إلى ركبتيه، سواء غاصت الأماميتان أو الخلفيتان، وهذا على سبيل التعميم والتغليب، فإن العرب تسمي الشيء بما يشبهه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما نهى عن مشابهة البعير، نهى عن مشابهة بروكه المر آي الحسي الذي يراه الناس، وهو كيفية بروكه، فإن من وقع على يديه عند الإهواء فقد شابه البعير صورة و مطابقة، سواء كانت الركبة في الأماميتين أو في الخلفيتين، المهم ماذا قدم أولا؟
و اليدين هي التي تكون على جانبي الرأس، وهم يقرون بأن الأماميتين تسميان اليدين، والجمل يقدم الأماميتين فوجب مخالفته، وعلى الإنسان أن يقدم رجليه عند النزول.
و عليه، يتضح أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد من الحديث المشابهة بالمطابقة، بأن جعل يدي الإنسان كاماميتي البعير، ورجليه كخلفيتيه، و لذلك ذكر لفظ" البروك"، ولم يقل:" النزول" أو " الإهواء" أو " الخرور".
كذلك مما يدل على تأويلنا هذا أن الاعتماد على الركب في النزول و النهوض من ميزات العاقل، ولا يوجد حيوان في الدنيا يستطيعه، فخالفهم الإنسان في صلاته من كل وجه.
¥