تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالشاهد أن الأئمة المتقدمين تساهلوا في شرطهم، فنزلوا من مرتبة " أهل المعرفة والحفظ وذوي الاتقان والضبط " إلى من دونهم كبقية بن الوليد و عمرو بن شعيب و محمد بن إسحاق و غيرهم، و لا يخفى عليك أن هؤلاء ممن ينظر في حديثهم و يحتج به في أغلبه إلا ما بان للنقاد أن فيه شيئا. فأين هؤلاء من الضعفاء و المجاهيل؟ فليتنبه.

و ليعلم أن النقاد المتقدمين قد قسموا الرواة إلى ثلاث طبقات، كما مر معك في بداية الكتاب. فرجال المغازي و الفضائل من الطبقة الثانية، و هي التي تعنى بالرواة الذين لم يصلوا إلى حد الإتقان و الضبط، و حديثهم ممن يكتب و ينظر فيه فهو متوسط يجكم عليه بما اقتضاه الحال و ما ترجح من القرائن المحتفة به.

و لعله من المفيد، بل و من المهم غاية أن ننقل ما ذكره المصنف في مقدمة هذه التقدمة في طبقات الرواة، ليعلم موقع رواة الفضائل و غيرهم عند المتقدمين:

قال رحمه الله: (و لما كان الدين هو الذي جاءنا عن الله ? و عن رسوله ? بنقل الرواة، حق علينا معرفتهم

و وجب الفحص عن الناقلة و البحث عن أحوالهم و إثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة و الثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته بأن يكونوا أمناء في أنفسهم علماء بدينهم أهل ورع وتقوى و حفظ للحديث و إتقان به و تثبت فيه و أن يكونوا أهل تمييز وتحصيل لا يشوبهم كثير من الغفلات و لا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه و وعوه ولا يشبه عليهم بالأغلوطات.

و أن يعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة و كشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم وما كان يعتريهم من غالب الغفلة و سوء الحفظ كثرة الغلط و السهو و الإشتباه ليعرف به أدلة هذا الدين و أعلامه و أمناء الله في أرضه على كتابه و سنة رسوله ? و هم هؤلاء أهل العدالة، فيتمسك بالذي رووه و يعتمد عليه و يحكم به وتجري أمور الدين عليه.

و ليعرف أهل الكذب تخرصا و أهل الكذب وهما و أهل الغفلة و النسيان و الغلط ورداءة الحفظ، فيكشف عن حالهم و ينبأ عن الوجوه التي كان مجرى روايتهم عليها إن كذب فكذب و إن وهم فوهم و إن غلط فغلط، و هؤلاء هم أهل الجرح فيسقط حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يعبأ به و لا يعمل عليه.

و يكتب حديث من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار و من حديث بعضهم الآداب الجميلة و المواعظ الحسنة و الرقائق و الترغيب و الترهيب هذا أو نحوه) انتهى كلامه.

قلت: و لعله بان يالنقل عن هذا الجهبذ الهمام أن المتقدمين يقسمون الرواة إلى ثلاث دوائر:

- الأولى أهل الإتقان و الحفظ.

- الثانية أهل الكذب و الغفلة الشديدة ممن يطرح حديثه و لا يكتب إلا على سبيل التعجب و التحذير.

- الثالثة و هي المرتبة بين المرتبتين: و هي من يكتب حديثه و ينظر فيه. و هي الطبقة التي فرسانها أهل النقد الجهابذة، إذالحكم على رواية هذه الطبقة يقتضي التبحر و الفهم و اليقظة، و المعرفة بالقرائن و حسن الترجيح.

و تأمل رحمني الله و إياك كيف جعل المصنف، رواة " الآداب الجميلة و المواعظ و الرقائق و الترغيب و الترهيب "

من هذه الطبقة.

و ها هو العلامة بن جماعة و هو من المتأخرين يفهم تقسيم بن أبي حاتم على هذا النحو، فيقول في المنهل الروي (65): (الألفاظ المستعملة في الجرح والتعديل: قد رتبها عبد الرحمن بن أبي حاتم فأجاد:

فألفاظ التعديل مراتب: الأولى أعلاها ثقة أو متقن أو ثبت أو حجة وفي العدل حافظ أو ضابط فهذا حجة الثانية صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهذا يكتب حديثه وينظر فيه لأن هذه العبارات لا تشعر بالضبط فينظر ليعتبر ضبطه وقد تقدم الاعتبار.

وعن ابن مهدي قال حدثنا أبو خلدة فقيل: كان ثقة، قال: كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا. الثقة شعبة وسفيان وقال ابن معين: إذا قلت لا بأس به فثقة. وهذا خبر عن نفسه.

ونقل ابن أبي حاتم عنهم أرجح الثالثة: شيخ فهذا يكتب حديثه وينظر فيه كما تقدم.

قلت ومثله أو قريب منه روى عنه الناس أو لا أعلم به بأسا الرابعة صالح الحديث فهذا يكتب حديثه للاعتبار قلت: ومثله وسط).

و الشاهد أنه جعل كل هذه الألفاظ من ألفاظ التعديل، و هذا مهم جدا في مسألتنا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير