و أقول: هذا تنبيه غريب جداً، و جراءة غير محمودة. و لقد شان المؤلف نبذته بهذا التنبيه المتوهم، و أظنه أراد بذلك دفع ما قرره الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في رسالته من تقديم الركبتين قبل اليدين في السجود لانه مخالف لما رآه و قرره في نبذته. و قد تقدم كلام الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – بحروفه في التنبيه الثامن فليراجع.
و كلام الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – هو حق بلا ريب و دليله حديث وائل بن حجر، و حديث أنس، و حديث أبي هريرة أيضاً بدون الزيادة التي رواها الدراوردي كما تقدم إيضاح ذلك.
و أما قول صاحب النبذة أنه ثبت لديه أنه لا تصح نسبة الرسالة إلى الإمام أحمد فهو مجرد دعوى لا دليل عليها و يا ليت شعري هل شهد عنده رجال مرضيون أن مهنا بن يحيى الشامي وضعها و نسبها إلى الإمام أحمد، أو وضعها من دون مهنا من رواتها أو وضعها صاحب طبقات الحنابلة القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى بن الفراء.
و إذا لم يثبت عنده الوضع بشهادة العدول فهل في الرسالة ما يخالف قول الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في الأصول أو في الفروع حتى يستدل بذلك على أنها موضوعة أو محرفة بالزيادة و النقصان، و إذا كان كل هذا معدوماً فلا دليل له إلا الرجم بالغيب و القول بغير علم. فإن قال إن الدليل على ذلك قول الذهبي فيها " و أخشى أن تكون موضوعة ".
فالجواب عنه من وجوه: أحدها ان الذهبي – رحمه الله تعالى – قد حماه الله بالورع فلم يجزم بالوضع بغير دليل كما فعل صاحب النبذة. و إذا كان الذهبي لم يجزم بالوضع فأي متعلق لصاحب النبذة في قوله. الثاني: لو قدرنا أن الذهبي جزم بذلك فجزمه غير مقبول إلا ببينة. الثالث: أن الشيخ الموفق أبا محمد بن قدامة المقدسي – رحمه الله تعالى – قد نقل من الرسالة في كتابه المغني جازماً بنسبتها إلى الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – و لم يعب ذلك عليه أحد لا من الحنابلة و لا من غيرهم. و قد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نقله صاحب المغني و أقره.
و كذلك الشيخ عبد الرحمن بن أبي عمر نقل في كتابه الشرح الكبير من الرسالة جازماً بنسبتها إلى الإمام أحمد، و كذلك العلامة الحافظ ابن القيم – رحمه الله تعالى – نقل منها في كتاب الصلاة جازماً بنسبتها إلى الإمام أحمد و لما انتهى ما نقله قال بعده: هذا كله كلام أحمد. و نقل من مضمونها في موضع آخر ثم قال و قد احتج أحمد بهذا بعينه.
و كذلك الشيخ محمد بن مفلح قد نقل منها في كتاب الفروع جازماً بنسبتها إلى الإمام أحمد. و كذلك غيرهم من أئمة الحنابلة. و لا نعلم أحداً عاب على هؤلاء الأئمة الأعلام لا في نقلهم منها و لا في نسبتهم لها إلى الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -.
و قد قرر الأصوليون أن المثبت مقدم على النافي. هذا إذا كان كل منهما جازماً في دعواه، و أما من لم يجزم فلا عبرة بقوله. و هؤلاء الأئمة من أكابر الحنابلة قد جزموا بنسبة الرسالة إلى الإمام أحمد و هم أعلم بكلام إمامهم و كتبه و مذهبه ممن سواهم من أهل المذاهب، و قد تلقاها من قبلهم و من بعدهم من الحنابلة و غيرهم من أهل العلم جيلاً بعد جيل جازمين بنسبتها إلى الإمام أحمد و لم يقدح فيها أحد لا من الحنابلة و لا من غيرهم حتى جاء الشيخ الألباني في آخر القرن الرابع عشر فقد فيها و في نسبتها إلى مصنفها بغير مستند يسوغ به القدح، و لو استجاز الناس ما استجازه الشيخ الألباني لأوشك أن تنكر كتب السلف أو أكثرها لأن كثيراً منها لم تبق أسانيدها متصلة إلى اليوم، و إنما تعرف بالنسبة و الاستفاضة و التلقي جيلاً بعد جيل، و كذلك غالب كتب العلماء بعدهم ليس لها أسانيد متصلة و إنما تعرف بالتلقي و النسبة و الاستفاضة و تناسب كلام المصنف و التئام بعضه مع بعض، و ما زال أهل العلم يكتفون في نسبة الكتب إلى مصنفيها بمجرد التلقي و الاستفاضة، و ينكرون منها ما لم يلتئم مع كلام المنسوب إليه و ما كان مخالفاً لاقواله في الأصول أو في الفروع.
و من تأمل رسالة الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – وجدها ملائمة لكلامه و موافقة لمذهبه، و من أنكرها أو أنكر شيئاً منها لذلك لقلة علمه بكلام أحمد و مذهبه. و أن العجب لا ينقضي من سوء جراءة الشيخ الألباني و اقدامه على القدح في تلك الرسالة الجليلة بغير برهان، فالله المستعان و عليه التكلان و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، و هو حسبنا و نعم الوكيل، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و سلم تسليماً كثيراً.
و قد وقع الفراغ من تسويد هذه التنبيهات في أثناء سنة 1376 ثم كان الفراغ من كتابة هذه النسخة في يوم الجمعة سادس عشر ربيع الأول سنة 1382 على يد كاتبها و جامعها الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله التويجري غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
تم بحمد الله