فدل على أن غير العشر محل لشرعية الاعتكاف.
5 - ما رواه أنس ? قال: "كان رسول الله ? إذا كان مقيماً يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين" ().
ولما روى أبي بن كعب ? أن رسول الله ?، "كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فسافر ولم يعتكف فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين" ().
ووجه الدلالة: أن النبي ? اعتكف عشرين يوماً فدل على مشروعية الاعتكاف في غير العشر، وليس هذا قضاء للاعتكاف، إذ لو كان قضاء لبادر به ?، كما هو هدية ? ().
6 - ما روي عن النبي ? في اشترطاه الصوم أو عدم اشترطاه لصحة الاعتكاف.
7 - ما ورد عن الصحابة ? في اشتراطه الصوم للاعتكاف أو عدم اشتراطه ().
وهذا مما يدل على شرعية الاعتكاف كل وقت غير رمضان والعشر؛ إذ العشر لا تكون إلا في رمضان، ورمضان يجب صومه فلو لم يشرع إلا في رمضان أو العشر لم يكن حاجة إلى القول باشتراطه الصوم أو عدمه.
8 - ولأن المقصود من الاعتكاف جمع القلب على الله تعالى بالاعتكاف والإقبال عليه والإعراض عما عداه ()، وهذا حاصل كل وقت، لكن يتأكد في بعض العبادات وله نظير من سائر العبادات تشرع كل وقت وتتأكد في بعض الأوقات.
ودليل الرأي الثاني والثالث:
حديث عائشة ? أن رسول الله ? "كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه" ().
فالنبي ? لم يعتكف إلا في رمضان في العشر الأخير منه حتى توفاه الله.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن حديث عائشة دل على شرعية الاعتكاف في العشر الأواخر، وتقدم في أدلة الجمهور شرعية الاعتكاف في غير رمضان، وفي غير العشر.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من شرعية الاعتكاف كل وقت لقوة ما استدلوا به، ومناقشة أدلة المخالف.
المبحث الثالث: قسما الاعتكاف
ينقسم الاعتكاف إلى قسمين:
القسم الأول: الاعتكاف المسنون:
وهذا هو الأصل في الاعتكاف قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضاً إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذراً فيجب عليه" ().
لما تقدم من أدلة مشروعية الاعتكاف ().
القسم الثاني: الاعتكاف الواجب:
يجب الاعتكاف بالنذر إجماعاً ().
لحديث عائشة ?، أن النبي ? قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" ().
ولحديث ابن عمر ?:"أن عمر ? سأل النبي ? قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: أوف بنذرك" ().
وهل يجب الاعتكاف بالشروع فيه؟
فيه قولان لأهل العلم:
القول الأول: أنه لا يجب بالشروع فيه.
وهو قول جمهور أهل العلم.
القول الثاني: أنه يجب بالشروع فيه بمعنى أنه إذا قطعه وجب عليه أن يق يه.
وهذا هو المشهور عند المالكية ().
مسألة:
قال شيخ الإسلام: "فإن قيل: إذا كان له الخروج منه، ثم له أن يدخل فيه متى شاء فما معنى قولهم: يحرم على المعتكف كذا، ويجب عليه كذا؟ قيل: له فوائد:
إحداها: أن المحرمات في الاعتكاف من المباشرة والخروج من المسجد لغير حاجة، إنما له أن يفعلها إذا نوى ترك الاعتكاف، فيكون فعله على وجه الترك للاعتكاف، فلا يكون حين فعله معتكفاً، أما أن يستديم نية الاعتكاف ويفعل ذلك فلا يحل له ذلك، بل يكون قد اتخذ آيات هزواً، ويكون بمنزلة الحائض إذا أمسكت تعتقد الصوم صحيحاً وبمنزلة ما لو تكلم أو أحدث في الصلاة مع بقاء اعتقاد الصلاة، وهذا لأن العبادة التي ليست واجبة إذا أراد أن يفعلها، فإنه يجب أن يفعلها على الوجه المشروع، وليس أن يخل بأركانها وشروطها وإن كان له تركها بالكلية.
الثانية: أنه إذا فعل ما ينافيه من خروج ومباشرة انقطع الاعتكاف، فلو أراد أن يعود إليه كان اعتكافاً ثانياً يحتاج إلى تجديد نية، ولا يكفيه استصحاب حكم النية الأولى حتى إنا إذا لم نجوز الاعتكاف أقل من يوم فاعتكف بعض يوم ثم قطعه، ثم أراد أن يتمه باقي اليوم لم يصح ذلك كما لو أصبح صائماً ثم أكل، ثم أراد أن يتم الصوم.
الثالثة: أنه إذا نذر الاعتكاف معيناً أو مطلقاً صارت هذه الأمور واجبة عليه، وحرم عليه ما ينافي الاعتكاف بكل حال، كما لو نذر صوماً معيناً، أو صلاة مؤقتة، أو مطلقة" ().
المبحث الرابع: زمن الاعتكاف المسنون ()
وفيه مطالب:
المطلب الأول: أقل زمن الاعتكاف وأكثره.
المطلب الثاني: الزمن المتأكد للاعتكاف.
¥