المطلب الثالث: زمن الاستحباب لدخول المعتكف وزمن الخروج منه.
المطلب الأول: أقل زمن وأكثره.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أقله
اختلف العلماء في أقل زمن الاعتكاف على أقوال:
القول الأول: أن أقل مدته يوم.
وهو رواية عن أبي حنيفة ()، وبه قال بعض المالكية ()، ووجه عند الشافعية ().
القول الثاني: أن أقل مدته يوم وليلة.
وهو مذهب المالكية ().
القول الثالث: أن أقل مدته عشرة أيام.
وهو رواية عن الإمام مالك ().
القول الرابع: أن أقل مدته لحظة.
وهو قول أكثر العلماء ().
فعند الحنفية: جاء في الدر المختار: "وأقله نفلاً ساعة من ليل أو نهار عند محمد وهو ظاهر الرواية عن الإمام، وبه يفتى، والساعة في عرف الفقهاء جزء من الزمان لا جزء من أربعة وعشرين كما يقوله المنجمون" ().
وعند الشافعية: جاء في المجموع: "الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور: أنه يشترط لبث في المسجد، وأنه يجوز الكثير منه والقليل حتى ساعة أو لحظة" ().
وعند بعض الشافعية: يكفي المرور في المسجد من غير لبث وعلى هذا فلو مر من باب إلى باب آخر، ونوى حصل الاعتكاف ().
وعند الحنابلة: جاء في الإنصاف: "أقله إذا كان تطوعاً، أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً، قال في الفروع: ظاهره ولو لحظة" ().
الأدلة:
دليل من ذهب إلى أن أقله يوم:
1 - أن من شرط صحة الاعتكاف الصوم، والصوم لا يصح أقل من يوم.
ونوقش: بعدم تسليم اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف ().
وأيضاً: فإن العبادة لا تكون مقدرة بشرطها ().
2 - أنه جاء عن بعض الصحابة: أنه لا اعتكاف إلا بصوم ()، والصوم لا يكون إلا في يوم كامل، فكذار الاعتكاف لا يكون إلا في يوم كامل لاشتراطه الصوم فيه.
ونوقش: بما قاله ابن حزم: "إنه لم يأت عنهم لا اعتكاف أقل من يوم كامل إنما جاء عنهم أن الصوم واجب في حال الاعتكاف فقط، ولا يمتنع أن يعتكف المرء على هذا ساعة في يوم هو فيه صائم" ().
ودليل من ذهب إلى أن أقله يوم وليلة: فحديث عمر ?، وفيه تقديره بيوم وليلة فكان ذلك أقله ().
وورد عن ابن عمر ? أنه قال: "لا اعتكاف أقل من يوم وليلة" ().
ودليل من قال "أقله عشرة": أن النبي ? اعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ().
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: بعدم التسليم فإن النبي ? اعتكف أكثر من عشرة أيام كما تقدم قريباً في حديث أبي هريرة، وأنس، وأبي بن كعب ? ().
الوجه الثاني: ما قالهج بان حزم: "فإن قيل: لم يعتكف رسول الله ? أقل من عشر ليال؟ قلنا: ولم يمنع من أقل من ذلك، وكذلك أيضاً لم يعتكف قط في غير مسجد المدينة، فلا تجيزوا الاعتكاف في غير مسجده عليه السلام، ولا اعتكاف قط إلا في رمضان… والاعتكاف فعل خير فلا يجوز المنع منه إلا بنص وارد بالمنع" ().
ودليل من قال أقله لحظة:
1 - قوله تعالى: ?وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ? ().
قال ابن حزم: "فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وبالعربية التي خاطبنا رسول الله ?، والاعتكاف في لغة العرب الإقامة… فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف… مما قل من الأزمان أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسنة عدداً من عدد، ووقتاً من وقت" ().
ونوقش هذا الاستدلال: بالتسليم أن الاعتكاف في لغة العرب الإقامة، لكن كون النبي ? وصحابته لم يرد عنهم اعتكاف لحظة مع تكرر مجيئهم إلى المسجد وجلوسهم فيه، لانتظار الصلاة، وسماع الخطبة، وحضور مجالس العلم يدل على عدم شرعية ذلك.
2 - ما يروى عن النبي ?، أنه قال: "من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة من ولد إسماعيل" ().
ونوقش: بعدم ثبوته عنه ?.
3 - ما ورد عن يعلى بن أمية ?: "إني لأمكث في المسجد الساعة، وما أمكث إلا لأعتكف" ().
ونوقش: بأنه مخالف لظاهر سنته ? وسنة صحابته، حيث لم يرد عنهم نية الاعتكاف مدة لبثهم في المسجد لصلاة ونحوها.
4 - أن الاعتكاف في اللغة يقع على القلي والكثير، ولم يحده الشرع بشيء يخصه فبقي على أصله ().
ونوقش: بما نوقش به الدليل الأول.
دليل من قال: يكفي مجرد المرور بالمسجد دون اللبث، القياس على الوقوف بعرفة، حيث يكفي فيه مجرد المرور ().
الترجيح:
¥