لعل أقرب الأقوال – والله أعلم – أن أقل الاعتكاف يوم أو ليلة، ولعله يستأنس لهذا بما تقدم من إذنه ? لعمر ? أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام وفاء لنذره.
ولما ورد عن الصحابة ? ()، والسلف الصالح في اشتراط الصوم، أو عدم اشتراطه ()، والصوم لا يكون أقل من يوم، والله أعلم.
وأيضاً لو شرع اعتكاف أقل من يوم لورد عن النبي ?، وأمر به الصحابة، واشتهر عنهم، لتكرر مجيئهم إلى المسجد.
فالصحابة ? كانوا يجلسون في المسجد لانتظار الصلاة، وسماع الخطبة، أو العلم، وغير ذلك، ولم يرد عنهم قصد الاعتكاف.
ويترتب على هذا أنه لا يشرع الاعتكاف لمن قصد المساجد مدة لبثه، كما صرح به الشافعية والحنابلة ().
وفي الاختيارات: "ولم ير أبو العباس لمن قصد المسجد للصلاة، أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه" ().
المسألة الثانية: أكثره:
أما أكثر الاعتكاف فلا حد له () ما لم يتضمن محذوراً شرعياً؛ لعموم قوله تعالى: ? وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ? ().
ولم يرد ما يدل على التخصيص.
قال ابن الملقن: "فيه – أي حديث عائشة: "أن رسول الله ? كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله" () أن الاعتكاف لا يكره في وقت من الأوقات، وأجمع العلماء على أن لا حد لأكثره" ().
وأما اقتصار النبي ? على اعتكاف العشر الأواخر فلا يدل على التخصيص، وإنما ذلك لسبب آخر وهو طلب ليلة القدر، إذ هي في تلك الليالي، ولهذا في حديث أبي سعيد ? أنه اعتكف العشر الأوسط فأخبر أنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر طلباً لها" ().
وتقدم قريباً في حديث أبي هريرة، وأنس، وأبي بن كعب ?، اعتكافه ? عشرين يوماً ().
لكن عند المالكية: منتهى المندوب شهر، ويكره أن يزيد على الشهر ().
ولم أقف على دليل لهذا التفصيل، والله أعلم.
المطلب الثاني: الزمن المتأكد للاعتكاف:
تقدم شرعية الاعتكاف كل وقت، لكن يتأكد في شهر رمضان، ويتأكد تأكداً آخر في العشر الأواخر منه ().
لما تقدم من حديث عائشة ? قالت: "كان رسول الله ? يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل" () وذلك طلباً لليلة القدر.
وعند الحنفية: أن اعتكاف العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة على الكفاية إذا قام بها بعض المسلمين سقط الطلب عن الباقين، فإن واظبوا على تركها بلا عذر أثموا ().
المطلب الثالث
زمن الاستحباب لدخول المعتكف وزمن الخروج منه
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: زمن الدخول.
المسألة الثانية: زمن الخروج.
المسألة الأولى: زمن الدخول:
اختلف أهل العلم رحمهم الله في الوقت المستحب لدخول المعتكف على قولين:
القول الأول: أنه من قبل غروب شمس ليلة الحادي والعشرين.
وبه قال جمهور أهل العلم ().
القول الثاني: أنه من بعد صلاة الصبح من يوم الحادي والعشرين.
وهو رواية عن الإمام أحمد ()، وبه قال الأوزاعي، ورواية عن الليث ()، ومال إليه الصنائعي ().
الأدلة:
1 - حديث أبي سعيد الخدري ?، أن النبي ? قال: "إني اعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم أعتكف العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف، فاعتكف الناس معه".
وفي لفظ: "فليعتكف العشر الأواخر" ().
وجه الدلالة:
دل هذا الحديث على أن زمن دخول المعتكف من بعد غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، لقوله: "فليعتكف العشر الأواخر"؛ إذ العشر بغير هاء عدد الليالي، وأول هذه الليالي ليلة إحدى وعشرين ().
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن العشر بغير هاء تطلق على الأيام كقوله ?:"ما من أيام العمل الصالح فيما أحب إلى الله من هذه العشر – يعني عشر ذي الحجة " ().
ورد بأن العشر وإن أطلقت على الأيام، فالمراد هنا الليالي.
الوجه الثاني: أن المقصوم بالعشر هنا الأيام بدليل أنه ? دخل بعد صلاة الصبح.
ورد: بعدم تسليمه كما سيأتي.
2 - أن ليلة القدر ترجى في أوتار العشر، ومنها ليلة إحدى وعشرين، ولهذا النبي ?، كما في حديث أبي سعيد ? عن اعتكف طلباً لها الشعر الأوسط ثم العشر الأواخر، فيستحب أن يدخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين ().
دليل الرأي الثاني:
استدل هذا الرأي: ما روته عائشة ? أن النبي ? "كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه" ().
وهذا نص في محل النزاع.
ونوقش هذا الاستدلال بهذا الحديث من وجوه:
¥