وقال تعالى: ?إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ? ()، وقال تعالى:?وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ? ()، وقال تعالى عن الكفار: ?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً? ()، وقال تعالى: ?وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ? ().
ولأن الكافر ليس من أهل المسجد.
وهذا الشرط باتفاق الأئمة ().
المطلب الثاني: شرط العقل
فلا يصح الاعتكاف من مجنون ولا سكران، ولا مغمى عليه؛ لحديث عمر ? أن النبي ? قال: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه ().
وهؤلاء لا قصد لهم معتبر، ولأنهم ليسوا من أهل العبادة.
وهذا الشرط باتفاق الأئمة ().
المطلب الثالث: شرط التمييز ()
فغير المميز لا يصح منه الاعتكاف؛ لما تقدم من الدليل في الشرط الثاني.
وهذا باتفاق الأئمة ().
المطلب الرابع: شرط النية
لحديث عمر ? المتقدم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" ().
ولأن اللبث في المسجد قد يقصد به الاعتكاف وقد يقصد به غيره فاحتيج إلى النية للتمييز بينهما.
وإن كان الاعتكاف واجباً فتجب نية الفرضية؛ لأن الاعتكاف منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب.
فلا بد من نية تميز بين نوعي العبادة ().
وهذا باتفاق الأئمة ().
قال ابن هبيرة: "واتفقوا على أنه لا يصح إلا بالنية" ().
وقال ابن رشد: "أما النية فلا أعلم فهيا اختلافاً" ().
إلا أن المالكية ()، والشافعية ()، وشيخ الإسلام () ذكروا النية مع أركان الاعتكاف، ويأتي في المبحث الثاني من هذا الفصل.
المطلب الخامس:
شرط الطهارة من الحيض والنفاس والجنابة
اختلف العلماء – رحمهم الله – في حكم اعتكاف الحائض والنفساء والجنب على قولين:
القول الأول: الحرمة وعدم الصحة.
وهو قول جمهور أهل العلم ().
لكن عند الحنفية: الطهارة من الحيض والنفاس شرط للصحة في الاعتكاف الواجب لاشتراط الصوم له.
وأما التطوع فالطهارة من الحيض والنفاس والجنابة شرط للحل دون الصحة ().
القول الثاني: صحة اعتكافهم في المسجد.
وهو قول الظاهرية ().
الأدلة:
استدل جمهور أهل العلم على عدم صحة اعتكاف الحائض والنفساء والجنب بالأدلة الدالة على تحريم لبثهم في المسجد – لكن عند الحنابلة: إذا توضأ الجنب جاز لبثه في المسجد – وهي كما يلي ():
1 - قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا? ().
وجه الدلالة: أن الله نهى الجنب عن قربان مواضع الصلاة وهي المساجد ()، وغذا ثبت هذا في الجنب فكذا الحائض، لأن حدثها آكد ولذلك حرم الوطء ومنع الصيام، وأسقط الصلاة، وساواها في أكثر الأحكام ().
قال الشافعي: (قال بعض العلماء بالقرآن معناها لا تقربوا مواضع الصلاة، وما أشبه ما قال بما قال؛ لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل، إنما السبيل في موضعها وهو المسجد) ().
وقد ورد هذا التفسير عن أنس وابن مسعود وابن عباس ? ().
ويدل لهذا التفسير أيضاً: سبب نزول الآية، وهو أن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم فيريدون الماء ولا يجدون ممراً إلا في المسجد فأنزل الله تعالى: ?وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ? ().
لكنه مرسل.
ونوقش هذا الاستدلال: أن هذا غير مسلم؛ لأن المسجد لم يذكر في أول الآية فيكون آخرها عائداً عليه، وإنما ذكرت الصلاة والصلاة لا تجوز للجنب إلا أن لا يجد ماء فيتيمم صعيدً طيباً. فمعنى الآية: أن الجنب لا يقرب الصلاة إلا أن تصيبه الجنابة وهو مسافر فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء ().
وقد ورد هذا المعنى عن علي، وابن عباس ? ().
وقد أجاب الجمهور عن هذه المناقشة بأنه لا يصح تفسير قوله تعالى: ?إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ? ()، بالمسافر؛ لأمرين:
الأول: أن الجنب إذا لم يجد ماء يجوز له أن يتيمم، سواء كان عابر سبيل أو مقيماً في البلد فيكون قوله: ? إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ? قيد لا معنى له.
¥