الوجه الثاني: أنه قياس مع الفارق فإن صلاة النافلة للرجل في بيته أفضل، ومع ذلك لا يصح اعتكافه فيه بالاتفاق ().
3 - أن اعتكافها في بيتها أستر لها فكان أفضل ().
ونوقش: بالوجه الأول من المناقشة الواردة على الدليل الثاني.
ثانياً: دليلهم على كراهة الاعتكاف في المسجد العام:
حديث عائشة رضي الله عنها: "فإن النبي ? ترك الاعتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه في مسجده ? " ().
ونوقش هذا الاستدلال: من وجهين:
الوجه الأول: أنه ? ترك الاعتكاف خشية أن يكون الحامل للزوجات المباهاة والنافس الناشيء عن الغيرة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه.
الوجه الثاني: أن الحامل له أن اجتماع النسوة عنده يصيره كالجالس في بيته، وربما يشغله ذلك عن التخلي لما قصد من العبادة فيفوت مقصوده بالاعتكاف ().
الترجيح:
الراجح – والله أعلم - هو القول الأول؛ لعموم أدلة الاعتكاف.
المسألة الثالثة:
ما يدخل في مسمى المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه:
وفيه أمور:
الأمر الأول: ما أعد للصلاة.
الأمر الثاني: سطح المسجد.
الأمر الثالث: رحبة المسجد.
الأمر الرابع: منارة المسجد.
الأمر الخامس: ما أعد لاختزان سرج المسجد وحصره، وكذا بيت السقاية.
الأمر الأول: ما أعد للصلاة:
اتفق الفقهاء رحمهم الله أن ما كان معداً للصلاة من البناء أنه يصح الاعتكاف فيه ().
لقوله تعالى: ?وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ? ().
وهاذ داخل في المسجد قطعاً.
الأمر الثاني: سطح المسجد:
فجمهور أهل العلم على صحة الاعتكاف فيه وصعود المعتكف إليه ()؛ لقوله تعالى: ?وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ? ()، وسطح المسجد منه.
وعند المالكية: لا يصح الاعتكاف فيه () بناء على عدم صحة الجمعة عليه ().
وفيه نظر: إذ لا يسلم عدم صحة الجمعة عليه.
الأمر الثالث: رحبة المسجد:
الرَّحْبة: بفتح الراء وسكون الحاء، أو بفتحهما: الأرض الواسعة، ورحبة المكان: ساحته ومتسعه. وجمعها: رحاب.
ورحبة المسجد: ساحته وصحته ().
واختلف أهل العلم في دخولها في مسمى المسجد وخروج المعتكف إليها على الأقوال الآتية:
القول الأول: إن كانت متصلة بالمسجد داخلة في سوره، فهي من المسجد، وإن كانت غير متصلة به ولا محوطة بسياجه فليست منه.
وبه قال الشافعية، وهو رواية عن أحمد، وبه قال القاضي من الحنابلة.
قال النووي: "المراد بالرحبة ما كان مضافاً إلى المسجد محجراً عليه وهو من المسجد نص الشافعي على صحة الاعتكاف فيها ... " ().
وقال المرداوي: "رحبة المسجد ليست منه على الصحيح من المذهب والروايتين .... وعنه - أي الإمام أحمد - أنه منه ... وجمع القاضي بينهما في موضع من كلامه فقال: إن كانت محوطة فهي منه وإلا فلا .. وقدم هذا الجمع في المستوعب، وقال: ومن أصحابنا من جعل المسألة على روايتين، والصحيح: أنها رواية واحدة على اختلاف الحالين" () اهـ.
ودليله قوله تعالى: ?وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ? ().
وإذا كانت الرحبة محوطة متصلة بالمسجد فهي منه.
القول الثاني: أنها ليست من المسجد فلا يصح الاعتكاف فيها.
وهو المشهور عند المالكية ()، والمصحح عند الحنابلة من المذهب ().
واستدلوا بما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنّ المعتكفات إذا حضنّ أمر رسول الله ? بإخراجهن من المسجد وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن" ().
ونوقش: بحمله على رحبة ليست محوطة.
القول الثالث: أنه يصح الاعتكاف فيها إذا ضرب خباءه فيها.
وهو قول للإمام مالك.
قال مالك: "لا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه في رحبة من رحاب المسجد" ().
ولعله دليله: ما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها.
وأقرب الأقوال: هو القول الأول؛ لما استدلوا به، والله أعلم.
الأمر الرابع: منارة المسجد:
وفيه فروع:
الفرع الأول: أن يكون بابها في المسجد.
الفرع الثاني: أن يكون بابها خارج المسجد.
الفرع الثالث: أن تكون أو بابها في رحبة المسجد.
الفرع الأول: أن يكون بابها في المسجد:
فجمهور أهل العلم (): أنها من المسجد فيصح الاعتكاف فيها.
¥