ثم يتحرى من المساجد ما لا يخل بركن الاعتكاف وهو اللبث في المسجد ()، فيحتاج إلى الخروج أو طول زمن الخروج، ثم يتحرى من المساجد ما يحقق مقصود الاعتكاف وحكمته، وهو الإقبال على الله والاشتغال بذكره ()، ثم ما كان أكثر جماعة؛ لأن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، والله أعلم.
المسألة الخامسة: تغيير المعتكف لمسجد اعتكافه.
إذا خرج المعتكف من مسجد اعتكافه لأمر يبيح الخروج ()، فله أن يغير مسجد اعتكافه إذا كان الثاني أقرب لحاجته ().
أما إذا أراد الخروج ابتداء لتغيير المسجد سواء كان له مزية شرعية أم لا، فليس له ذلك إلا بالشرط؛ لما يأتي من إباحة الخروج لسائر القرب أو أمرٍ لا ينافي الاعتكاف بالشرط ().
وكذا إذا كان المسجد الثاني أبعد عن حاجته من المسجد الأول فليس له ذلك إلا بالشرط؛ لما في ذلك من تفويت زمن الاعتكاف.
فرع: وإذا خرج إلى مسجد آخر خروجاً شرعياً، فله أن يطيل مكثه فيه؛ لصلاحية المحل للاعتكاف.
المبحث الثاني: أركان الاعتكاف:
اختلف الفقهاء في تعداد أركان الاعتكاف، وهذا الاختلاف راجع إلى اعتبار بعض الشروط والامتناع عن بعض المبطلات أركاناً:
فعند الحنفية: أن ركن الاعتكاف هو اللبث في المسجد فقط، والباقي شروط وأطراف لا أركان ().
وعند المالكية: أركانه خمسة: نية الاعتكاف، والمسجد المباح، والصوم، والكف عن الجماع ومقدماته.
ومرادهم بالمسجد المباح: أي المباح لعموم الناس بأن لا يكون من المساجد المهجورة أو مساجد البيوت ().
وعند الشافعية: أركانه أربعة: اللبث في المسجد، والنية، والمعتكف، والمعتكف فيه ().
وعند الحنابلة: فقد ذكر شيخ الإسلام أن أركان الاعتكاف ركنان: لزوم المسجد، والنية ().
والأقرب: ما ذهب عليه الحنفية وأن ركن الاعتكاف اللبث في المسجد؛ إذ هو جزء العبادة وماهيتها، وما عدا ذلك شروط خارجة عن ماهية الاعتكاف ذكرت مع أدلتها في شروط صحة الاعتكاف في المبحث الأول والله أعلم.
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[09 - 09 - 09, 01:23 ص]ـ
الفصل الثالث
الخروج من المسجد ومبطلات الاعتكاف
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الخروج من المسجد.
المبحث الثاني: مبطلات الاعتكاف.
المبحث الأول
الخروج من المسجد ()
وفيه مطالب:
المطلب الأول: أقسامه.
المطلب الثاني: اشتراطه.
المطلب الثالث: قضاء زمن الخروج للاعتكاف الواجب.
المطلب الأول: أقسامه. وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الخروج ببعض البدن.
المسألة الثانية: الخروج بجميع البدن بلا عذر.
المسألة الثالثة: الخروج لعذر معتاد شرعاً أو طبعاً.
المسألة الرابعة: الخروج لعذر غير معتاد.
المسألة الخامسة: الخروج لقربة من القرب.
المسألة الأولى: الخروج ببعض البدن.
إذا أخرج المعتكف بعض بدنه لم يبطل اعتكافه ولا يترتب عليه شيء باتفاق الأئمة ()، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: "أنها كانت ترجل النبي ? وهي حائض وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" ().
المسألة الثانية: الخروج بجميع البدن بلا عذر:
فهذا يبطل اعتكافه باتفاق الأئمة ()، لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: "وكان - أي النبي ? - لا يخرج إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً"، ولمنافاته لركن الاعتكاف.
وقيد الحنفية الخروج المفسد بساعة وهو جزء من الزمان لا جزء من أربع وعشرين جزءاً (). وعند الصاحبين: - أبي يوسف، ومحمد - يفسد إذا خرج أكثر النهار ()، أي أكثر من نصف يوم ().
المسألة الثالثة: الخروج لأمر لابد له منه شرعاً أو طبعاً:
وفيها أمور:
الأمر الأول:
الخروج لقضاء الحاجة ونحو ذلك كالخروج للقيء أو غسل نجاسة:
فإذا خرج لما تقدم لم يبطل اعتكافه إجماعاً.
قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن للمعتكف أن يخرج عن معتكفه للغائط والبول" ().
وقال ابن هبيرة: "وأجمعوا على أن يجوز للإنسان الخروج إلى ما لابد منه كحاجة الإنسان ... " ().
وكذا نقل الإجماع على ذلك الماوردي ()، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ?: "كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" ().
¥