وقولها: "لحاجة الإنسان" المراد بذلك: البول والغائط، كنى عنها بذلك؛ لأن الإنسان يحتاج إليهما لا محالة ().
ولما تقدم قريباً أن النبي ?: "كان يخرج رأسه وهو معتكف لترجله عائشة رضي الله عنها" فالخروج لقضاء حاجة الإنسان من باب أولى.
ولأن هذا مما لابد منه ولا يمكن فعله في المسجد فلو بطل الاعتكاف بخروجه لم يصح لأحد اعتكاف.
لكن إن طال مكثه بعد حاجته فسد اعتكافه ().
ولا يكلف الذي خرج لحاجته الإسراع، بل له المشي على عادته ().
ولو كثر خروجه لقضاء الحاجة لعارض يقتضيه كإسهال فالمصحح عند جمهور الشافعية: أنه لا يضره نظراً إلى جنسه ().
الأمر الثاني:
الخروج للطهارة الواجبة.
وفيه فروع:
الفرع الأول: أن لا يمكنه التطهر في المسجد.
الفرع الثاني: أن يمكنه التطهر في المسجد.
الفرع الثالث: تطهره في بيته مع وجود مطهرة قريبة من المسجد.
الفرع الأول: أن لا يمكنه ذلك في المسجد:
إذا لم يمكنه أن يتطهر الطهارة الواجبة في المسجد فله الخروج لذلك، وهذا لا يبطل الاعتكاف باتفاق الأئمة.
قال ابن هبيرة: "وأجمعوا على أنه يجوز للإنسان الخروج إلى ما لابد منه لحاجة الإنسان والغسل من الجنابة ... " ().
لما تقدم قريباً من الأدلة على الخروج لقضاء الحاجة، فكذا للطهارة الواجبة.
الفرع الثاني: أن يمكنه التطهر في المسجد:
فإن أمكنه التطهر في المسجد فهل يلزمه ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يلزمه.
وهو قول المالكية ()، والحنابلة ().
لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: "وكان - أي النبي ? - لا يخرج إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" (). والوضوء والغسل تابع لحاجة الإنسان.
والقول الثاني: يلزمه أن يتطهر بالمسجد.
وبه قال الحنفية ()، والشافعية ()؛ لأنه خروج لأمر منه بد.
ونوقش: بعدم التسليم، بل هو لأمر ليس منه بد، إذ قد يلحقه ضرر بذلك إذا كان يحتشم من ذلك.
وقد لا يرغب الوضوء في المسجد خشية تلويثه.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم - أنه لا يلزمه أن يتطهر في المسجد؛ إذ هو داخل في حاجة الإنسان، لكن إذا هناك مطهرة داخل المسجد معدة للتطهر وهو لا يحتشم منها لزمه ذلك.
الفرع الثالث: تطهره في بيته مع وجوده مطهرة قريبة من المسجد:
إذا كان هناك ميضأة قريبة من المسجد فهل له الذهاب إلى بيته؟ فيه أقوال:
القول الأول: أنه إذا كان يحتشم منها فلا يكلف التطهر منها لما في ذلك من خرم المروءة، فيكون داخلاً في حديث عائشة: "وكان لا يخرج إلا لحاجة الإنسان". وإذا كان لا يحتشم منها فيكلف التطهر منها، لعدم الضرر.
وهو قول أكثر العلماء ().
لكن قيده الشافعية ()، والقاضي من الحنابلة ()، بما إذا لم يتفاحش بعد البيت؛ لأنه إذا تفاحش بعده خرج عن عادة المعتكفين.
ولأنه يذهب جملة من وقت الاعتكاف في الذهاب والمجيء، وهو غير مضطر إليه.
القول الثاني: أنه ليس له الخروج إلى منزله مطلقاً.
وبه قال بعض الحنابلة ().
وعللوا: بأنه خروج لأمر له منه بد.
ونوقش: بعدم التسليم إذا كان مثله يحتشم من التطهر في غير منزله.
القول الثالث: يجوز له الخروج إلى بيته مطلقاً.
وهو وجه عند الشافعية ().
لأنه يشق عليه التطهر في غير بيته.
ونوقش: بأنه إذا كان لا يحتشم من التطهر في غير بيته فلا مشقة عليه.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم - ما ذهب إلى جمهور أهل العلم من التفصيل لما عللوا به، والله أعلم.
وإذا كان له منزلان أو كان هناك مطهرتان لزمه التطهر بالأقرب منهما.
وهو مذهب الشافعية ()، والحنابلة ().
لعدم الحاجة في الذهاب إلى الأبعد.
وفي قول للحنفية والشافعية (): لا يلزمه التطهر بالأقرب منهما.
لأنه خروج لحاجة الإنسان فجاز للأبعد منهما.
ونوقش: بعدم التسليم فلا حاجة في الذهاب إلى الأبعد مع الاستغناء بالأقرب.
وعلى هذا فالأقرب: القول الأول.
وكذا لا يكلف الطهارة في ببيت صديقه القريب؛ لما في ذلك من المنة وربما احتشم من ذلك وشق عليه ().
الأمر الثالث: الخروج للأكل والشرب:
اختلف العلماء رحمهم الله في خروج المعتكف للأكل والشرب على قولين:
القول الأول: أنه ليس له ذلك إلا إذا لم يكن هناك من يأتيه به.
وبه قول جمهور أهل العلم ().
القول الثاني: يجوز الخروج للأكل إن كان المسجد مطروقاً، وإن كان مهجوراً فليس له الخروج.
¥