تقدم أن المعتكف له الخروج إلى صلاة الجمعة؛ لأن هذا أمر لابد له منه شرعاً فيكون داخلاً في حاجة الإنسان، لكن اختلف العلماء القائلون بعدم فساد اعتكافه إذا خرج في وقت خروجه إلى الجمعة، على أقوال:
القول الأول: أن له التبكير إلى صلاة الجمعة، فيستحب أن يخرج في الوقت الذي يستحب الخروج إلى صلاة الجمعة ().
وبه قال أبو الخطاب، وابن عقيل ().
القول الثاني: أن له التبكير إلى صلاة الجمعة، ولا يستحب.
وهو مذهب الحنابلة ().
القول الثالث: أنه يخرج وقت زوال الشمس إن قرب مكان اعتكافه، وإن بعد خرج في وقت يدركها ويصلي قبلها أربعاً.
وهو مذهب الحنفية ().
الأدلة:
استدل من قال باستحباب التبكير إلى الجمعة: بالأدلة الدالة على استحباب التبكير إلى صلاة الجمعة؛ كحديث أبي هريرة ? أن النبي ? قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنه، ومن راح في السعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة" ()، وهذا يشمل المعتكف وغيره.
واستدل الحنابلة على أن له التبكير: أنه خروج جائز فجاز تعجيله، كالخروج لحاجة الإنسان ().
ولعل دليلهم على استحباب عدم التبكير: أنه مشغول بعبادة شرع فيها فكانت أولى.
واستدل الحنفية: بأن الخطاب بالصلاة لا يتوجه إلا بعد الزوال ().
ونوقش هذا الاستدلال: بأن هذا خطاب الوجوب، أما خطاب السعي المستحب للجمعة فمن أول النهار.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم - استحباب تبكير المعتكف لصلاة الجمعة؛ لعموم أدلة استحباب التبكير لصلاة الجمعة، وصلاحية المكان للاعتكاف، فإن اللبث حاصل سواء بالمسجد الجامع أو مسجد اعتكافه، فلا إخلال بركن الاعتكاف.
الفرع الثالث: زمن الرجوع إلى المعتكف:
لو تأخر المعتكف في الجامع الذي خرج إليه لأداء صلاة الجمعة لم يفسد اعتكافه عند القائلين بعدم فساد اعتكافه بالخروج إلى صلاة الجمعة؛ لصلاحية الموضع للاعتكاف.
لكن هل يكره مكثه أكثر من ذلك؟
اختلف العلماء - رحمهم الله - في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يكره ذلك، لكن لا يستحب أن يطيل المقام بعد الجمعة.
وهو مذهب الحنابلة ().
وقال ابن قدامة: ويحتمل أن تكون الخيرة إليه في تعجيل الرجوع وتأخيره ().
وعللوا ذلك: بصلاحية الموضع للاعتكاف ().
القول الثاني: أنه يكره له المكث بعد صلاة الجمعة والسنة الراتبة بعدها.
وهو مذهب الحنفية ().
وعللوا ذلك: بأن فيه مخالفة لما التزمه من الاعتكاف في المسجد الأول؛ لأنه لما ابتدأ الاعتكاف فيه فكأنه عينه لذلك فيكره تحوله عنه مع إمكان الإتمام فيه.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم - عدم كراهة المقام في الجامع بعد صلاة الجمعة؛ لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي ولم يرد.
المسألة الرابعة: الخروج لعذر غير معتاد:
وذلك يشمل صوراً: كالخروج بسبب الخوف على نفسه، أو حرمته، أو ماله من عدو أو لص أو حريق، وكالخروج لانهدام المسجد، والخروج لأداء أو تحمل شهادة تعين عليه ذلك، ولإقامة حد، أو طلب سلطان، ولتفير متعين، وخروج المعتكفة لقضاء عدة الفراق ولمرض شديد تشق معه المقام في المسجد، فإن كان يسيراً لا يشق معه المقام في المسجد فخروجه مبطل ونحو ذلك.
وهذه الصور نص عليها فقهاء الحنابلة، فلا يبطل الاعتكاف بالخروج لشيء من ذلك عند الحنابلة.
والقول الثاني: إن خرج باختياره كخروجه لأداء شهادة، وكخروج المعتكفة لقضاء العدة - فإنه يجب عليها أن تكمل اعتكافها، ثم تخرج لتكمل عدتها - فإنه يبطل الاعتكاف.
وإن كان الخروج بغير اختياره كما لو أخرجه الحاكم لدين أو حد لم يبطل إلا إن اعتكف هرباً من ذلك، وكذا لو خرج لأمر لا يمكن المقام معه كحيض ومرض.
وهذا مذهب المالكية ().
القول الثالث: أنه يبطل الاعتكاف بالخروج لأداء الشهادة، إلا إن تعين عليه التحمل والأداء وكان نذراً متتابعاً فلا يبطل، ولا يبطل الاعتكاف بخروج المعتكفة لقضاء العدة إلا إن كانت العدة بسببها كأن علق طلاقها بمشيئتها فقالت وهي معتكفة: قد شئت.
فإن تعين عليه التحمل أو الأداء بطل، إلا إن كان تحمله قبل الشروع في الاعتكاف فلا يبطل.
¥