وكذا لا يبطل بالمرض الشديد الذي يشق معه المقام في المسجد، ويبطل باليسير الذي لا يشق معه المقام في المسجد.
وهذا مذهب الشافعية ().
القول الرابع: أنه يبطل اعتكافه بالخروج لذلك كله.
وهو مذهب الحنفية ().
إذ الأصل عند أبي حنيفة: أن الخروج لغير قضاء الحاجة من بول ونحوه، والطهارة الواجبة، وصلاة الجمعة والعيدين - إذ يرون وجوب صلاة العيدين وجوباً عيناً - أنه مبطل عندهم.
إلا أنه في البدائع: إن انهدم المسجد أو أخرجه سلطان أو غيره فخرج منه مباشرة إلى مسجد آخر لم يبطل اعتكافه استحساناً ().
الأدلة:
أدلة الحنابلة:
استدل الحنابلة على ما ذهبوا إليه من عدم البطلان بطروء الأعذار المتقدمة ونحوها بما يلي:
1 - حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: "وكان - أي النبي ? - لا يخرج إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" ().
فألحقوا الخروج لهذه الأعذار بالخروج لحاجة الإنسان.
2 - حديث صفية رضي الله عنها: "أنها جاءت إلى رسول الله ? تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي ? معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله ? فقال لهما رسول الله ?: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله وكبُر عليهما، فقال رسول الله ?: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئاً" ().
وفي رواية: "كان النبي ? في المسجد عنده أزواجه فرحن فقال لصفية بنت حيي: لا تعجلي حتى أنصرف معك، وكان بيتها في دار أسامة بن زيد فخرج النبي ? فلقيه رجلان .. " ().
وجه الدلالة: أن قولها: "فخرج النبي ? معها" صريح في أن النبي ? خرج معها من المسجد، وأن قولها: "حتى بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة" تعني باباً غير الباب الذي خرج منه فإن حجر أزواج النبي ? كان شرقي المسجد وقبلته، وكان للمسجد عدة أبواب فيمر على الباب بعد الباب، والرجلان رأيا النبي ? ومعه المرأة خارج المسجد فإنه لو كان في المسجد لم يحتج إلى هذا الكلام.
وقوله: "لا تعجلي حتى أنصرف معك" وقيامه معها ليقلبها: دليل على أن مكانها بينه وبين المسجد مسافة يخاف فيها من سير المرأة وحدها ليلاً، وهذا قبل أن تكون حجرتها قريباً من المسجد، ولهذا قال: "وكان بيتها في دار أسامة بن زيد"، وهذا كله مبين لخروجه من المسجد فإن خروجه إلى مجرد باب المسجد لا فائدة فيه ولا خصوص لصفية فيه لو كان منزلها قريباً دون سائر أزواجه، فهذا خروج للخوف على أهله فيلحق به كل حاجة ().
3 - ولأنه خروج متعين فكان عليه الخروج إليه كالخروج إلى الجمعة ().
واستدل المالكية: بأنه إذا خرج لأداء الشهادة كان خروجه باختياره؛ إذ يمكن أداؤها في المسجد إما بحضور القاضي، أو نقلها عن المعتكف ().
ونوقش: أن خروج المعتكف وإن كان باختياره فهو بإيجاب الشارع فلم يبطل الاعتكاف.
واستدل الشافعية: لما ذهبوا إليه بما يلي:
1 - أنه إذا تعين عليه التحمل والأداء لم يبطل اعتكافه إذا كان نذراً متتابعا ً؛ لاضطراره إلى الخروج وإلى سببه.
2 - أنه يبطل اعتكافه المتتابع إذا تعين عليه الأداء أو التحمل؛ لأن خروجه باختياره.
ويناقش هذا التعليل: بما نوقش به تعليل المالكية.
3 - أنه لا يبطل الاعتكاف المتتابع بخروجه للشهادة إذا كان تحمله قبل الشروع فيه قياساً على ما إذا نذر صوم الدهر ففوته لصوم كفارة لزمته قبل النذر فلا يلزمه القضاء.
4 - أنه يبطل اعتكافه إذا كان تطوعاً أو نذراً غير متتابع: لأن خروجه باختياره ().
ويناقش: كما تقدم في مناقشة تعليل المالكية.
وأما تعليلهم لخروج المعتكفة أو من لزمه حد فنحو ما تقدم.
واستدل الحنفية: بحديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: "وكان - أي النبي ? - لا يخرج إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" ().
فدل على أن الخروج المباح إنما هو لحاجة الإنسان من بول أو غائط، وما يتبع ذلك من طهارة واجبة، وكذا الخروج لصلاة الجمعة لإيجاب الشارع لها ().
ونوقش هذا الاستدلال: إذا سلم أن قولها رضي الله عنها: "لحاجة الإنسان" محصور بما يحتاجه من بول أو غائط، فأنتم لم تطردوا هذا الأصل فأجزتم الخروج لصلاة الجمعة، وهذه الأعذار في معنى ذلك.
الترجيح:
¥