وأما ما بعد الأولى فليست له فلم يكن معفواً عنها.
ودليل من قال بعدم الإبطال مطلقاً: أن النظر لا مباشرة فيه: فلم يبطل كالاحتلام ().
ونوقش: بأنه قياس مع الفارق إذ الاحتلام لا اختيار للإنسان فيه بخلاف تكرار النظر.
ودليل من قال بالإبطال مطلقاً: بأن الإنزال بمجرد النظر مبطل للصوم فأبطل الاعتكاف ().
ونوقش: بأنه مبني على أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف وهو غير مسلم به كما تقدم في شروط صحة الاعتكاف.
الترجيح: الراجح – والله أعلم - إن غلب على ظنه الإنزال بنظرة أو تكرار النظر فأنزل بطل اعتكافه، وإلا لم يبطل وفيه جمع بين الأقوال وأدلتها.
المسألة الخامس: إنزاله بالاستمناء:
إذا استمنى المعتكف فأمنى اختلف العلماء في بطلان اعتكافه على قولين:
القول الأول: أنه يبطل اعتكافه.
وهو قول جمهور أهل العلم ().
القول الثاني: أنه لا يبطل اعتكافه.
وهو الوجه الثاني عند الشافعية ().
الأدلة:
استدل الجمهور على إبطال الاعتكاف بالإنزال بالاستمناء: ما تقدم من الأدلة على إبطال الاعتكاف بالإنزال بالمباشرة فكذا الاستمناء ().
ودليل الرأي الثاني: أن كمال اللذة باصطكاك البشرتين ().
ونوقش هذا الاستدلال: بأن الإبطال ليس معلقاً باكتمال اللذة، ولهذا بطل الاعتكاف بالمباشرة مع أن كمال اللذة بالجماع ().
الترجيح: الراجح – والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، ببطلان الاعتكاف بالإنزال بالاستمناء وقد تقدم بطلانه بالمباشرة مع أن الأصل فيها الحل فبطلانه بالمحرم أولى.
المطلب الرابع: طروء الحيض والنفاس:
وفي مسائل:
المسألة الأولى: كونه مبطلاً.
المسألة الثانية: ما يشرع للمعتكفة بعد طروء الحيض والنفاس.
المسألة الثالثة: أثره على الاعتكاف الواجب عند من لم يعتبره مبطلاً.
المسألة الأولى: كونه مبطلاً:
إذا حاضت المعتكفة أو نفست حرم عليها المقام في المسجد عند جمهور أهل العلم ()، لكن إذا خرجت هل يبطل اعتكافها للعلماء في ذلك قولان:
القول الأول: نه لا يبطل اعتكافها.
وبه قال جمهور أهل العلم ().
القول الثاني: أنه يبطل اعتكافها.
وهو مذهب الحنفية ().
الأدلة:
استدل الجمهور على عدم بطلان الاعتكاف بطروء الحيض أو النفاس بما يلي:
1 - ما تقدم من الأدلة على عدم بطلان الاعتكاف بالخروج للعذر المعتاد ().
2 - ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: "كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله ? بإخراجهن من المسجد وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن" ().
فدل هذا على عدم بطلان اعتكاف المرأة إذا حاضت.
ودليل الحنفية: حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" ().
والمراد بحاجة الإنسان ما يحتاج إليه طبعاً كالبول والغائط، أو شرعاً كالطهارة الواجبة والخروج للجمعة، وتقدم أصلهم هذا ().
ونوقش هذا الاستدلال: بأن خروج الحائض والنفساء لأجل الحيض أو النفاس في معنى حاجة الإنسان فيكون مستثنى، والله أعلم.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم - قول جمهور أهل العلم؛ لقوة ما استدلوا به، ومناقشة دليل الحنفية.
المسألة الثانية: ما يشرع للمعتكفة بعد طروء الحيض أو النفاس:
اختلف القائلون بعدم بطلان الاعتكاف بطروء الحيض أو النفاس فيما يشرع للمعتكفة إذا حاضت أو نفست على أقوال:
القول الأول: أنها ترجع إلى منزلها فإذا طهرت رجعت إلى المسجد.
وهو قول جمهور أهل العلم ().
لكن عند الحنابلة: يستحب لها أن تضرب فسطاطا في رحبة المسجد إن كان له رحبة ().
القول الثاني: أنها تضرب فسطاطها في رحبة المسجد إن كان له رحبة.
وبه قال أبو قلابة ().
الأدلة:
استدل الجمهور على أن المعتكفة إذا حاضت لها الرجوع إلى بيتها بما يلي:
1 - أن الشارع أذن لها بالخروج فلها الرجوع إلى منزلها.
2 - أنه وجب عليها الخروج من المسجد فلم يلزمها الإقامة في رحبته كالخارجة لعدة أو خوف فتنة.
ونوقش: بأنه قياس مع الفارق؛ لأن خروج المعتدة لتعتد في بيتها لا يحصل ذلك مع الكون في الرحبة، وكذا الخائفة من الفتنة خروجها لتسلم من الفتنة، فلا تقيم في موضع لا تحصل الإقامة فيه ().
ودليل الحنابلة على استحباب الإقامة في الرحبة: حديث عائشة الآتي.
ودليل أبي قلابة على أنها تضرب فسطاطها في رحبة المسجد:
¥