الترجيح:
الراجح – والله أعلم - ما ذهب جمهور أهل العلم وعدم بطلان الاعتكاف بطروء الجنون والإغماء لما استدلوا به.
المسألة الثانية: أثر طروء الجنون والإغماء على الاعتكاف الواجب:
وفيها أمران:
الأمر الأول: أن لا يخرج من المسجد:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه يلزمه قضاء زمن الجنون دون زمن الإغماء.
وهذا مذهب الشافعية ().
وعللوا: أنه يلزمه قضاء زمن الجنون؛ لأن المجنون لا تصح منه العبادات البدنية، ولا يلزمه قضاء زمن الإغماء إلحاقاً له بالنائم.
القول الثاني: أنه لا يلزمه قضاء زمنهما.
وهو ظاهر مذهب الحنابلة.
جاء في مطالب أولي النهى: "ويتجه أنه لا يقضي معتكف أغمي عليه زمن إغمائه؛ إذ هو كنائم، والنائم لا قضاء عليه، ولا يقضي زمن جنونه أيضاً لعدم تكليفه إذن وهو متجه" ().
والظاهر: أن المجنون لا يقضي الاعتكاف المعين؛ لعدم تكليفه مدة التعيين، ويلزمه ما عداه؛ لعدم صحته منه وإمكانه في زمن آخر ().
القول الثالث: أنه لا يلزمه قضاء اليوم الذي جن أو أغمي فيه ويلزمه قضاء ما بعده.
وهذا مذهب الحنفية ().
وهذا مبني على اشتراطهم الصوم للاعتكاف الواجب، فيصح اليوم الذي جن أو أغمي فيه لوجود النية، ولا يصح ما بعده لعدم وجود النية.
القول الرابع: أنه إن كان في عقله حين الفجر أو أكثر النهار، لم يلزمه قضاء زمنهما، وإلا لزمه ذلك.
وهذا مذهب المالكية ().
وهم يبنون هذا على اشتراطهم الصوم كما تقدم.
الأمر الثاني: أن يخرج من المسجد:
إن خرج أو أُخرج المعتكف اعتكافاً واجباً بعد طروء الجنون أو الإغماء من المسجد لزمه قضاء زمنهما عند من قال بعدم بطلان اعتكافه بطروء الإغماء أو الجنون ().
ونص الشافعية: أنه لا ينقطع تتابع نذره إذا أفاق.
وظاهر كلام الحنابلة: أنه لا يلزمه قضاء المدة المعينة؛ لعدم تكليفه مدة التعيين ()، والله أعلم.
المطلب السادس: السكر:
إذا شرب أو أكل المعتكف ما يسكره بلا عذر، اختلف أهل العلم في أثر ذلك على اعتكافه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: بطلان اعتكافه مطلقاً.
وهو قول جمهور أهل العلم ().
القول الثاني: إن كان نهاراً بطل اعتكافه وإن كان ليلاً لم يبطل.
وهو مذهب الحنفية ().
القول الثالث: عدم بطلانه مطلقاً.
وهو وجه عند الشافعية ().
الأدلة:
استدل الجمهور على بطلان الاعتكاف بالسكر:
1 - أن السكران خرج عن كونه من أهل المسجد؛ لقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ? ()، ونهيه عن قربان الصلاة حال السكر يستلزم النهي عن قربان مواضعها ().
2 - أن السكر أفحش من الخروج من المسجد ().
واستدل الحنفية على بطلان الاعتكاف بالسكر نهاراً فقط:
1 - أنه إذا سكر نهاراً بطل صومه فبطل اعتكافه.
وهذا مبني عندهم على اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف الواجب. وقد تقدم بحث هذه المسألة ().
2 - أنه تناول محظور الدين لا محظور الاعتكاف فلم يبطل اعتكافه ().
ونوقش: نه لا يسلم أن السكر ليس من محظورات الاعتكاف؛ لما تقدم من أدلة الجمهور.
3 - أن السكر ليس إلا معنى له أثر في العقل مدة يسيرة فلا يفسد الاعتكاف ولا يقطع التتابع كالإغماء ().
ونوقش هذا التعليل: بأنه قياس مع الفارق؛ إذ الإغماء بغير اختيار الإنسان ولا يأثم به بخلاف السكر، مع أن الحنفية يرون بطلان الاعتكاف بالإغماء إذا تطاول.
واستدل من قال بعدم البطلان مطلقاً: أنه لم يخرج من المسجد فلم يبطل اعتكافه ().
ونوقش: بأن الإبطال ليس محصوراً بالخروج من المسجد، ولهذا المباشرة تبطل، وإن كان في المسجد.
وعلى هذا فالراجح: أن السكر من مبطلات الاعتكاف، لما تقدم من الدليل على ذلك، ولكونه منافياً لحال الاعتكاف، والله أعلم.
المطلب السابع: فعل كبيرة من الكبائر كالغيبة والنميمة:
اختلف العلماء رحمهم الله في بطلان الاعتكاف بفعل كبيرة كالغيبة والنميمة والسرقة ونحوها على قولين:
القول الأول: عدم بطلان الاعتكاف بذلك.
وهو قول جمهور أهل العلم ().
القول الثاني: بطلان الاعتكاف بذلك.
وهو مذهب المالكية ().
الأدلة:
أما دليل جمهور أهل العلم فما يلي:
1 - أن الأصل بقاء صحة الاعتكاف، فلا يبطل إلا بدليل شرعي.
¥