ونوقش من وجوه:
الوجه الأولى: قياس مع الفارق، فالمحرم بحج يحرم عليه لبس القميص والسراويل والعمامة ونحوها، ولا يحرم ذلك على المعتكف ().
الوجه الثاني: أن ترك الطيب في الحج ليس مشروعاً في كل وقت، بل ما دام متلبساً بالإحرام، وما عدا ذلك فيشرع الطيب كالطيب عند الإحرام، وعند طواف الإفاضة بعد التحلل الأول.
الوجه الثالث: أن الطيب في الحج محرم وفي الاعتكاف مكروه عند الحنابلة فافترقا.
الترجيح: الراجح – والله أعلم - قول جمهور أهل العلم وعدم استحباب ترك رفيع الثياب أو كراهة الطيب؛ لأن الاستحباب والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى الدليل الشرعي.
لكن المعتكفة ليس لها أن تمس طيباً إذا اعتكفت في مسجد الجماعة؛ لأنها ممنوعة منه، كما نص عطاء على كراهة ذلك لها ().
المطلب الخامس: غسل الرأس وتسريحه ودهنه ():
ودليله:
حديث عائشة رضي الله عنها: "أنها كانت ترجل النبي ? وهي حائض وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً".
وفي لفظ: "كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" ().
لكن يشترط أن لا يلوث المسجد.
لما روته عائشة رضي الله عنها قالت: "اعتكف مع رسول الله ? امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي" ().
فوضعها رضي الله عنها للطست تحتها لئلا يتلوث المسجد بشيء من الدم.
وأيضاً فإن النبي ? أخرج رأسه من المسجد عند غسله، فيحتمل أنه فعل ذلك لقصد ترجيل عائشة رضي الله عنها، ويحتمل أنه فعل ذلك صيانة للمسجد.
ويأتي منع المعتكف من كل ما فيه تقذير للمسجد ().
المطلب السادس: أخذ سنن الفطرة:
من قص شارب، ونتف إبط، وحلق عانة، وتقليم ظفر.
ودليل ذلك: حديث عائشة المتقدم؛ إذ هي في معنى الغسل والترجيل ولأن هذا من باب النظافة والطهارة ().
لكن عند المالكية: يفعل ذلك إذا خرج من المسجد لعذر من الأعذار () أو يخرج يده من المسجد عند قص الظفر.
ويكره عندهم فعل ذلك في المسجد، ولو جمع ذلك في ثوبه.
قال ابن القاسم: قال مالك: "لا يقص المعتكف أظافره في المسجد، ولا يأخذ من شعره، قال ابن القاسم: فقلنا له: إنه يجمع ذلك فيحرزه حتى يلقيه؟ فقال مالك: لا يعجبني وإن جمعه.
وقيل لابن القاسم: أكان مالك يكره للمعتكف حلق الشعر وتقليم الأظفار؟ فقال: لا، إلا أنه إنما كره ذلك لحرمة المسجد" ().
والأقرب: جواز ذلك في المسجد لما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها، وكالوضوء في المسجد ()، وإن كان الأولى فعل ذلك خارج المسجد.
ويشترط: عدم تلويث المسجد، لما تقدم من الدليل على ذلك ().
المطلب السابع: عيادة المريض والصلاة على الجنازة
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أن يكون ذلك داخل المسجد.
المسألة الثانية: أن يكون ذلك خارج المسجد.
المسألة الأولى: أن يكون ذلك داخل المسجد.
فللعلماء في ذلك قولان:
القول الأول: أن له ذلك.
وهو قول جمهور أهل العلم ().
القول الثاني: يكره له الصلاة على الجنازة في المسجد مطلقاً، وأما عيادة المريض فإن كان قريباً منه سلم عليه وهو جالس في محله، وإن كان بعيداً يحتاج إلى الانتقال من محله كره له ذلك.
وهذا مذهب المالكية ().
الأدلة:
استدل الجمهور بالأدلة الآتية:
1 - حديث صفية رضي الله عنها، وفيه محادثة النبي ? لأزواجه ().
2 - حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه إخراج النبي ? رأسه لترجله عائشة رضي الله عنها ().
وفي هذا إباحة العمل اليسير ()، ويلحق بذلك صلاة الجنازة وعيادة المريض.
3 - عموم أدلة مشروعية عيادة المريض وصلاة الجنازة.
4 - أن هذا لا ينافي الاعتكاف أو موضعه.
وأما دليل المالكية: فإن الأصل عندهم في الجملة أن ما عدا الذكر والصلاة والتلاوة من الأفعال مكروه؛ إذ مقصود الاعتكاف إنما هو صفاء القلب ورياضة النفس، وهذا إنما يحصل بهذه الثلاثة دون غيرها ().
ونوقش: بعدم تسليم هذا الأصل فقد تقدم مشروعية العبادات المتعدية، كإقراء القرآن، وتدريس الحديث والفقه ().
الترجيح:
الراجح – والله أعلم - قول جمهور أهل العلم - وعدم كراهة الصلاة على الجنازة وعيادة المريض في المسجد -، لما استدلوا به، ومناقشة دليل من قال بالكراهة.
¥