وهو قول جمهور أهل العلم ()، وحكي صحة العقد إجماعاً ().
لكن اشترط الحنفية لجواز البيع في المسجد: أن لا يكثر، وأن يكون محتاجاً إليه لتحصيل قوته، وقوت عياله، وأن لا تحضر السلعة إلى المسجد.
واشترط الشافعية: أن لا يكثر من التجارة، وإن اشترى ما لابد له منه لم يكرَه.
الأدلة:
استدل الحنابلة بالأدلة الآتية:
1 - قوله تعالى: ?فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ ? ().
فدلت الآية على أن المساجد محل العبادة دون البيع والتجارة، وإذا لم تكن محلاً للتجارة فإنه ينهى عن التجارة فيها، والنهي يقتضي الفساد.
2 - حديث أنس ?، وفيه قوله ?: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن" ().
والبيع من كلام الناس، وقوله: "لا يصلح" يدل على النهي، والنهي يقتضي الفساد.
3 - حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله ? "نهى عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والشراء فيه" ().
والنهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه اقتضى التحريم والفساد ().
4 - حديث أبي هريرة ?: "من رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك" ().
5 - ما رواه أبو هريرة ? أن رسول الله ? قال: "من سمع رجلاً ينشد الضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا" ().
دل هذا الحديث: على النهي عن نشدان الضالة، ويلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها مما لم يبن المسجد له ().
6 - وعن السائب بن يزيد قال: "كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين فجئته بهما، قال: من أنتما، أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضرباً ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله ? " ().
ويدخل في هذا كل أمر لم يبن المسجد له من بيع وشراء ونحوهما ().
ودليل الجمهور:
حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله ? "نهى عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والشراء" ().
فقرن النهي عن البيع والشراء في المسجد بالنهي عن إنشاد الشعر صارف من التحريم إلى الكراهة.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن المراد بالشعر هنا المحرم، وهو محرم في المسجد فلا دلالة فيه على صرف النهي عن التحريم.
الوجه الثاني: أنه على تسليم عدم تحريم الشعر فلا يلزمه منه عدم تحريم البيع؛ إذ الجمع بين حكمين في النهي لا يلزم منه إعطاء حكم أحدهما الآخر؛ إذ دلالة الاقتران ضعيفة عند جمهور الأصوليين.
الترجيح: الراجح – والله أعلم - ما ذهب إليه الحنابلة من عدم صحة عقود المعاوضات في المسجد؛ لقوة ما استدلوا به.
المسألة الثانية: أن يكون خارج المسجد:
فيجوز للمعتكف أن يخرج ويشتري مالا بد له منه كقوته وقوت عياله إذا لم يكن أحد يقوم به غيره ().
لكن اشترط المالكية: أن يكون شراؤه من أقرب مكان إليه، ولا يشتغل بشيء غيره.
واشترط الحنابلة: أن يكون ذلك في طريقه من غير أن يقف أو يعرج ().
ويستدل لهذا بحديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: "وكان - أي النبي ? - لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" (). وهذا داخل في حاجة الإنسان إذا لم يكن من يأتيه به ولم يكن في ملكه.
ولما تقدم من الأدلة على الخروج للأعذار الطارئة ().
وقد ورد أن علياً "أعان ابن أخيه جعدة بن هبيرة بسبعمائة درهم من عطائه أن يشتري خادماً، فقال له: ما منعك أن تبتاع خادماً؟ فقال: إني كنت معتكفاً، قال: وما عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت؟ " ().
وهذا محمول على الضرورة، فيلحق بالعذار الطارئة ().
أو يقال: اجتهاد من علي ? مخالف لظاهر القرآن والسنة، وقد خالفته عائشة رضي الله عنها ().
المطلب الثالث: التكسب الصنائع في المسجد:
وذلك مثل: الخياطة، والحدادة، والخط ونحو ذلك.
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يحرم التكسب بالصنائع في المسجد مطلقاً.
وهو مذهب الحنفية ()، والحنابلة ().
¥