القول الرابع: الجواز مطلقاً بشرط كونه يسيراً لا يؤدي إلى التقذير، ولم يتأذ به أحد، ولم يكن المسجد مبلطاً.
وهو مذهب المالكية ().
الأدلة:
استدل من قال بتحريم البصاق في المسجد بما يلي:
1 - ما رواه أنس ? أن النبي ? قال: "البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها" ().
2 - ما رواه أبو ذر ? أن النبي ? قال: "عرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد فلا تدفن" ().
3 - حديث أنس ?، وفيه قول النبي ?: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" ().
واستدل من قال بجواز البصق إذا أراد دفنها بما يلي:
ما رواه أبو أمامة ? أن النبي ? قال: "من تنخع في المسجد فلم يدفن فسيئة، وإن دفنه فحسنة" ().
واستدل من قال بجواز البصق عند الحاجة:
ما رواه أبو هريرة ? أن النبي ? رأى نخامة في المسجد في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال: "ما بال أحدكم يقوم يستقبل ربه فيتنخع أمامه، أيحب أحدكم أن يستقبل فينخع في وجهه؟ فإذا انتخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه، فإن لم يجد فليفعل هكذا" ووصف القاسم فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض ().
فظاهر الحديث جوازه في المسجد للمحتاج حال العذر؛ لأن البصقعن اليسار أن تحت القدم إنما ورد في الصلاة؛ إذ المصلي لا يتمكن من الخروج من المسجد إلا بالحركة الكثيرة.
الترجيح:
الناظر في الأدلة السابقة يتبين له جواز البصاق في المسجد للمصلي فقط بشرط أن يدفنها بعد ذلك، وأن لا يكون المسجد مفروشاً أو مبلطاً؛ لظاهر أحاديث الأمر بالدفن، وأما غير المصلي فلا يجوز له البصاق فيه؛ لتمكنه من البصاق خارج المسجد.
مسألة:
اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بالدفن في قوله ?: "وكفارتها دفنها" على قولين:
القول الأول: أن المراد بالدفن: تغييبها في تراب المسجد ورمله وحصبائه، وإن كان أرضاً صلبة فبإخراجها، أو مسحها بخرقة ونحوها.
وهذا قول جمهور أهل العلم ().
القول الثاني: أن المراد إخراجها مطلقاً.
وبه قال بعض الشافعية ().
الأدلة:
استدل الجمهور: بما رواه أبو ذر ? أن النبي ? قال: "عرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد فلا تدفن" ().
فظاهر الحديث: دفنها في المسجد، وكذا نحوه حديث أبي أمامة المتقدم.
ودليل الرأي الثاني: لأجل الخروج من خلاف من قال بنجاسة البزاق ()، كما ورد عن سلمان الفارسي ?، وإبراهيم النخعي.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن القول بنجاسة البزاق ضعيف، ويرده ما تقدم في حديث أبي هريرة ?، وفيه قوله ?: "فإن لم يجد فليفعل هكذا" (). ووصف القاسم "فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض".
وفي رواية هشيم: "كأني أنظر إلى رسول الله ? يرد ثوبه بعضه على بعض".
الترجيح: الراجح – والله أعلم - القول الأول؛ لظاهر الأحاديث.
المطلب الثامن: الصمت عن الكلام:
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: إن طال الصمت حتى تضمن ترك الكلام الواجب صار حراماً، وكذا إن تعبد بالصمت عن الكلام المستحب، والكلام المحرم يجب الصمت عنه، وفضول الكلام ينبغي الصمت عنها.
وبه قال شيخ الإسلام ().
القول الثاني: أنه يكره الصمت إلى الليل.
وبه قال ابن عقيل ().
وقال الموفق والمجد: ظاهر الأخبار تحريمه ().
القول الثالث: إن تعبد بالصمت كره، وإن لم يتعبد به لم يكره.
وهو قول الحنفية ().
واستدل العلماء على ما تقدم بما يلي:
1 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي ? "رأى رجلاً قائماً في الشمس فقال: من هذا؟ قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" ().
2 - ما روته ليلى امرأة بشير بن الخصاصية "أنه سأل رسول الله ?: أصوم يوم الجمعة ولا أكلم ذلك اليوم أحداً؟ فقال: لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها أو في شهر، وأما أن لا تكلم أحداً فلعمري لأن تكلم بمعروف وتنهى عن منكر خير من أن تسكت" ().
¥