دلت الآية على أن الصوم شرط في الاعتكاف، فلم يجب ابتداؤه قبل شرطه؛ لأن الصوم لا يلزم إلا من طلوع الفجر الثاني ().
ونوقش هذا الاستدلال:
بالمنع كما سبق في شروط صحة الاعتكاف.
2 - حديث عائشة "أن النبي ? كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح، ثم دخل معتكفه" ().
ونوقش هذا الاستدلال بهذا الحديث: بما تقدم ().
الترجيح:
الراجح – والله أعلم - ما ذهب إليه أهل القول الأول، وأنه يبدأ اعتكافه من غروب شمس أول ليلة من الشهر إلى غروب شمس آخر يوم منه؛ لقوة دليله، ولدخول الشهر بذلك لغة وشرعاً.
المسألة الثانية: أن يكون مطلقاً:
وذلك كأن يقول: لله عليَّ أن أعتكف شهراً.
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يلزمه التتابع، ولا الليالي المتخللة بين الأيام، وعلى هذا فيعتكف من طلوع الفجر الثاني من أول يوم، إلى غروب الشمس، ثم يعود مرة ثانية، وهكذا.
وهو رواية عن الإمام أحمد ().
القول الثاني: أنه إن اعتكف شهراً بالهلال، فزمن الاعتكاف من دخول الشهر برؤية الهلال إلى خروج الشهر برؤية الهلال، وإن اعتكف شهراً بالعدد، فإنه من غروب الشمس ليلة أول يوم إلى غروب شمس آخر يوم. وبه قال أكثر الفقهاء ().
الأدلة:
دليل الرأي الأول:
استدل لهذا الدليل بعدم لزوم التتابع بما يلي:
1 - قوله تعالى: ?فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ? ().
وجه الدلالة: أن إطلاق الشهر لو أفاد التتابع لما قيد الله تعالى ذلك بقوله: ?متتابعين?.
2 - أن اللفظ مطلق عن التتابع فجيري على إطلاقه فلا تدخل الليالي المتخللة بين الأيام في وقت اعتكافه.
3 - أنه معنى يصح فيه التفريق، فلم يجب التتابع فيه بمطلق النذر كما لو نذر اعتكاف ثلاثين يوماً ().
دليل الرأي الثاني: أنه تلزمه الليالي المتخللة بين الأيام:
1 - أن إطلاق الشهر يقتضي دخول الليالي في وقت اعتكافه، كما لو نذر أياماً معينة ().
ونوقش: بالمنع؛ إذ إن من نذر اعتكاف شهر كما لو نذر اعتكاف ثلاثين يوماً، أو نذر اعتكاف أسبوعاً.
2 - أنه معنى يحصل بالليل والنهار، فإذا أطلقه اقتضى دخول الليالي، كما لو حلف لا يكلم زيداً شهراً، وكمدة الإيلاء والعدة ().
ونوقش: بأنه قياس مع الفارق فإن من حلف ألا يكلم زيداً شهراً، وكذا مدة الإيلاء والعدة تصدق على جميع أجزائها بخلاف من نذر اعتكاف شهر فلا تدخل الليالي.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم - ما ذهب إليه أهل القول الأول، وأنه لا يلزمه التتابع إلا بشرط أن ينوي التتابع، أو يشترطه؛ لعدم ما يوجب التتابع ولأن الأصل براءة الذمة.
المطلب السادس: أن ينذر اعتكافه ليلة:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني.
وهو مذهب الشافعية ()، والحنابلة ().
القول الثاني: أنه من غروب الشمس إلى غروب شمس يوم ليلة النذر.
وهو مذهب الحنفية ()، والمالكية ().
الأدلة:
استدل الشافعية والحنابلة بما يلي:
1 - قوله تعالى: ?وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ? (). دلت الآية على أن الليل يقع ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وقد نذر أن يعتكف ليلة فلزمه ذلك فقط.
2 - من حيث اللغة أن الليل اسم لسواد الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ().
وأما دليل الحنفية والمالكية:
أما الحنفية فيبنون ذلك على اشتراط الصوم للاعتكاف الواجب، والليل ليس محلاً للصوم فلزم أن يعتكف يوم ليلة النذر.
ونوقش: بعدم تسليم كما تقدم في شروط صحة الاعتكاف ().
وأما المالكية: فيبنون ذلك على أن أقل الاعتكاف يوم وليلة ().
ونوقش: بعدم تسليمه كما تقدم في زمن الاعتكاف.
الترجيح:
الراجح: ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة: أنه يلزمه الاعتكاف ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر لدلالة الشرع واللغة.
المبحث الثالث: أن يقيده بمكان:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أن ينذر الاعتكاف بأحد المساجد الثلاثة.
المطلب الثاني: أن ينذر الاعتكاف بمسجد غير المساجد الثلاثة.
المطلب الأول: أن ينذر الاعتكاف بأحد المساجد الثلاثة:
¥