تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

5 - أن الناذر إذا عيَّن لنذره مكاناً فاضلاً فقد التزم فضيلة في العبادة الملتزمة، فإذا أداه في مكان دونه في الفضيلة فقد أقام الناقص مقام الكامل مع قدرته على الأداء بصفة الكمال كما التزمه، وهذا لا يجوز ().

وأما دليل الجمهور على أنه إذا اعتكف في الفاضل أجزأ عن المفضول:

1 - حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أن رجلاً قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين. فقال له: "صَلِّ ههنا، ثم أعاد عليه فقال صَلِّ ههنا، ثم أعاد عليه، فقال: شأنك إذن" ().

وجه الدلالة: أن الحديث يدل على أن الناذر إذا أدى نذره في مكان أفضل من المكان الذي عينه فإنه يجزئه؛ لأنه أدى أتم مما التزمه ().

2 - ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن امرأة شكت شكوى، فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرأت. ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة تسلم عليها، وأخبرتها بذلك، فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول ?، فإني سمعت رسول الله ? يقول: "صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة" ().

دليل الحنفية:

استدل الحنفية على إجزاء الاعتكاف في كل مكان:

1 - حديث جابر ? أن رجلاً قام يوم الفتح فقال يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت القدس ركعتين فقال له: "صل ههنا ... " الحديث ().

وجه الدلالة: أن الرسول ? أمر من نذر أن يصلي في بيت المقدس أن يصلي في غيره، فدل ذلك على أن من نذر أن يصلي في مكان، فصلى في غيره أجزأه ذلك ()، والاعتكاف كالصلاة.

ويناقش: بأن النبي ?، إنما أمره أن يصلي في المسجد الحرام؛ لنه أدى ما التزمه وزيادة، قال شيخ الإسلام: "فقد أتى بأفضل من المنذور من جنسه" ().

2 - أن النذر قربة في الاعتكاف لا المكان، وبهذا الاعتبار تكون الأمكنة كلها سواء، فإذا اعتكف في أي مكان أجزأ ().

ونوقش هذا التعليل من وجهين:

الوجه الأول: منع كون الأمكنة كلها سواء، بل أفضلها المساجد الثلاثة كما تقدم في الأحاديث.

الوجه الثاني: أنه إذا عين مكاناً لنذره صار أداء النذر في المكان الذي عينه قربة لا تبرأ ذمته إلا بأدائه في المكان الذي عينه ().

3 - أن الناذر إنما يلتزم بنذره ما هو من فعله، لا ما ليس من فعله، والمكان ليس من فعله ().

ونوقش: بالوجه الثاني من المناقشة الواردة على الدليل الثاني.

الترجيح:

القول الراجح – والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة الحنفية، بما ورد عليها من المناقشات.

المطلب الثاني: أن ينذر الاعتكاف بمسجد غير المساجد الثلاثة:

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أنه لا يتعين المسجد بتعيينه بالنذر إلا إن كان له مزية شرعية ككثرة جماعة، أو كونه جامعاً تعين، ما لم يلزم من ذلك شد رحل.

وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ().

القول الثاني: أنه لا يتعين بتعيينه.

وهو قول جمهور أهل العلم ().

لكن عند الحنابلة إذا لم يحتج إلى شد رحل يخير بين الوفاء وعدمه، واستظهر في الفروع: أن الأفضل الوفاء.

الأدلة:

استدل شيخ الإسلام: بما تقدم من الأدلة على تعين المساجد الثلاثة إذا نذر الاعتكاف فيها ().

وجه الدلالة: أن المساجد الثلاثة لم تتعين إلا لميزتها لاشرعية، فيلحق بها ما كان في معناها مما له مزية شرعية ().

واستدل الجمهور: بما رواه أبو هريرة ?: أن النبي ? قال:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" ().

وجه الدلالة: دل هذا الحديث أن شد الرحل إنما يكون لهذه المساجد الثلاثة دون ما عداها، وإذا قيل: يتعين غيرها بتعيينه بالنذر لزم من ذلك شد الرحل إليه ().

ونوقش هذه الاستدلال: بأنه مسلم إذا لزم من ذلك شد رحل، وأما إذا لم يلزم من ذلك شد رحل فلا محذور.

الترجيح:

الراجح – والله أعلم - ما ذهب إليه شيخ الإسلام - رحمه الله -؛ لقوة ما استدل به، ولأن النذر الوفاء بأصله ووصفه، والمكان من وصفه إذا كان له ميزة شرعية، ولما ورد من الإجابة على دليل الجمهور.

الفصل السادس

قضاء الاعتكاف

وفيه مباحث:

المبحث الأول: قضاء الاعتكاف المستحب.

المبحث الثاني: قضاء الاعتكاف الواجب على الحي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير