وقالت طائفة: أن كان منفرداً لم يركع حتى يدخل الصف، وإن كان مع غيره ركعوا دون الصف، وهو قول إسحاق وأبي بكر بن أبي شيبة، ونقله إسحاق بن هأنئ، عن أحمد، وحكاه ابن عبد البر عن أبي حنيفة.
ومن العجائب: أن البخاري ذكر في ((كتاب القراءة خلف الإمام)) أن المروي عن زيد بن ثابت لا يقول به من خالفه في هذه المسألة، فإنه قال: روى الأعرج، عن أبي أمامة بن سهلٍ، قال: رأيت زيد بن ثابت ركع وهو بالبلاط لغير القبلة، حتى دخل في الصف.
ثم قال: وقال هؤلاء: إذا ركع لغير القبلة لم يجزئه. أنتهى.
وهذه رواية منكرة لا تصح، وإنما ركع زيد للقبلة؛ كذلك رواه الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، قال: رأيت زيد بن ثابت دخل المسجد والإمام راكع، فاستقبل فكبر، ثم ركع، ثم دب راكعاً حتى وصل الصف.
خرَّجه عبد الرزاق، عن معمرٍ، عنه.
ورواه ابن وهب، عن يونس وابن أبي ذئب، عن ابن شهابٍ: أخبرني أبو أمامة بن سهل، أنه رأى زيد بن ثابت دخل المسجد والإمام راكعٌ. فمشى حتى إذا أمكنه أن يصل الصف وهو راكعٌ كبر، فركع، ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف.
وهذه الرواية تدل - أيضاً - على أنه كبر مستقبل القبلة، ولا يمكن غير ذلك البتة.] ا. هـ
وقال الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار - (2/ 203)
[وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَكَعُوا دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَوْا إلَى الصَّفِّ، وَاعْتَدُّوا بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي رَكَعُوهَا دُونَ الصَّفِّ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: دَخَلْت الْمَسْجِدَ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأَدْرَكْنَا الْإِمَامَ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعْنَا ثُمَّ مَشَيْنَا حَتَّى اسْتَوَيْنَا بِالصَّفِّ.
فَلَمَّا قَضَى الْإِمَامُ الصَّلَاةَ، قُمْت لِأَقْضِيَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ أَدْرَكْت الصَّلَاةَ.
حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا بَشِيرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ، عَنْ طَارِقٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جُلُوسًا فَجَاءَ آذِنُهُ فَقَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، فَقَامَ وَقُمْنَا فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَرَأَى النَّاسَ رُكُوعًا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ فَرَكَعَ وَمَشَى، وَفَعَلْنَا مِثْلَ مَا فَعَلَ.
فَإِنْ اعْتَلَّ فِي هَذَا مُعْتَلٌّ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ،لِأَنَّهُ صَارَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ صَفًّا.
قِيلَ لَهُ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: رَأَيْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ رُكُوعٌ، فَمَشَى حَتَّى إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ وَهُوَ رَاكِعٌ، كَبَّرَ فَرَكَعَ ثُمَّ دَبَّ وَهُوَ رَاكِعٌ حَتَّى وَصَلَ الصَّفَّ.
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ.
فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُبَيٌّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَرْكَعُ عَلَى عَتَبَةِ الْمَسْجِدِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَمْشِي مُعْتَرِضًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَعْتَدُّ بِهَا إنْ وَصَلَ إلَى الصَّفِّ أَوْ لَمْ يَصِلْ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ مَا قَدْ رَوَيْتُمُوهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَزَيْدٍ، وَتَقُولُونَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرْكَعَ دُونَ الصَّفِّ.
قِيلَ لَهُ: نَعَمْ، وَلَكِنْ احْتَجَجْنَا بِذَلِكَ عَلَيْك، لِتَعْلَمَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهُمْ لَا يُبْطِلُونَ صَلَاةَ مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الصَّفِّ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا الَّذِي ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ، حَتَّى خَالَفْتُمْ عَبْدَ اللَّهِ وَزَيْدًا؟.
قِيلَ لَهُ: مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {لَا يَرْكَعْ أَحَدُكُمْ دُونَ الصَّفِّ، حَتَّى يَأْخُذَ مَكَانَهُ مِنْ الصَّفِّ} وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ، الْحَسَنُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ: ثنا الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ الْأَشْعَثِ، عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُرْكَعَ دُونَ الصَّفِّ.
وَكُلُّ مَا بَيَّنَّا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ هَذَا، وَمِنْ إجَازَةِ صَلاَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ , هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.] ا. هـ
¥