ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[15 - 10 - 09, 01:48 ص]ـ
لو ترفقت بي لكان أليق، وما ظننته بي لا أقول به، وإنما هذا نقاش علمي وكلامي كان في محل عموم لا خصوص. وقولي في تبسيط المسألأة لم أعن به إنتقاصاً بك كما ظننت. لكنني أعتذر إن فهم مني خلاف ما قصدته، ولا تكن خليلياً أو صعيدياً وسامح أخاك واستعذر لي
بدايةً أعتذر أنا إليك إن خاطبتُك بحِدّة، وأعتذر ثانيةً إن حملتُ قولَك على غير ما تريد. ولا عليكَ فلستُ صعيدياً .. وإن كان كِبار علماء مصر مِن أهل الصعيد كالإمام السيوطيّ (ذكّرني هذا بمزاح الأزهريين أن الصعيد على ثلاثة أقسام: إما "صعيداً طيباً" وإما "صعيداً جُرُزاً" وإما "صعيداً زلَقاً"!!)
هلاّ رددت على ما قلته في ردي السابق بإقتباس ما قلته، ثم ما ترى فيه، فردك عام ولا أراه في محل مسألتنا
بارك الله فيك، أليس موضوعنا هو هذا الأثر المنسوب إلى عيسى عليه السلام؟ أنتَ اعتبرتَه مِن الإسرائيليات ثم شرعتَ تسرد أقوال أهل العلم في جواز الرواية عن أهل الكتاب دون تدقيق في السند. اختلافي معك هو في الأساس الذي بنَيتَ عليه حُكمك، وهو غضّ الطرف عن طعن الأئمة في عبد المنعم بن إدريس صاحب هذا الأثر الذي نتناقش فيه، وتمرير حديثه إذا لم يكن فيه ما يتعارض مع الشرع أو العقيدة بالرغم من كونه وضّاعاً كذاباً خبيثاً، وذلك تحت مسمّى "الإسرائيليات" التي يجوز نقلها! فأنا لا أسلّم لك أصلاً أن هذا الأثر من الإسرائيليات.
فالذهبي تعرض لنقد كتاب إعتنى به لتمحيص أسانيده، لأأنه من مظان كتب الحديث لا اتاريخ، لذا ذكر ما ظهر له في كل سند حديث أو أثر في الكتاب. كما أنّ قوله في عبدالمنعم لا يعني رده للخبر بل من باب ذكر ما تبين له (وإن كان الإمام أحمد ذكر أنه كان يكذب على وهب وفي الأثر ذكر أنه رواه عن أبيه عن وهب فهذا يعني تدليسه في الأثر أصلاً لأنه لم يعاصر أباه)
كلامك بحاجة إلى تعقيبات مطوّلة في نظري القاصر، ولكنني أشير إلى ما يلي:
- أولاً: وصفُك لصنيع الذهبي ليس دقيقاً، فهو إنما "اختصر" مستدرك الحاكم واكتفى ببعض التعليقات المقتضبة على بعض الأحاديث. هو لم "يتعرّض لنقد" المستدرك، ولا "تمحيص أسانيده"، ولا "ذكر ما ظهر له في كل سند". فإن كنتُ مخطئاً فصحِّح لي.
- ثانياً: المستدرك مِن كتب الحديث وليس "مِن مظان كتب الحديث" كما تفضلتَ.
- ثالثاً: هل إذا جاء الخبر أو الأثر في كتب الحديث يكون له حُكم مختلف عن وروده في كتب التاريخ؟ فماذا نفعل بأحاديث الطبري المشتركة بين تفسيره وتاريخه مثلاً؟ هل يكون للحديث هنا حُكم وهناك حكم آخر وهو هو نفس الحديث أم ماذا؟
- رابعاً: إذا كنتَ ترى أنّ جرحَ الذهبيِّ لعبد المنعم (بأنه كذاب ساقط الحديث) لا يُعدّ ردّاً لحديثه (!) فبماذا أردّ عليك حفظك الله!
- خامساً: كلامُ الأئمة صريحٌ وواضحٌ بأنّ عبد المنعم بن إدريس كان يكذب على وهب فينسب إليه أخباراً وآثاراً مختلقة لم يقلها وهب، ثم يُسندها عن أبيه إدريس كذباً أيضاً وهو إنما وُلد بعد موت أبيه! فهذا صنيعٌ كله كذب في كذب. فكيف تأتي بعد كلّ هذا مدافعاً عنه لتقول إنّ الأمر لا يعدو كونه "دَلَّسَ" عن أبيه! فماذا أصنعُ بقول البخاري: ((ذاهِب الحديث)) وقول أبي زرعة: ((واهي الحديث)) وقول الذهبي: ((ساقط الحديث)) وقول يحيى بن سعيد: ((الكذاب الخبيث)) وقول ابن حبان: ((كان يضع الحديث))؟ كيف أجدك تنبري مدافعاً لتنفي عنه الكذب والوضع! لماذا؟ سامحني .. لا أخفيك تعجّبي مِن قولك!
فأقولن إذن من باب أولى أن لا يروى عن بني إسرائيل أصلاً فهم أكذب أهل الأرض وكفرة، وأهل الصنعة متفقون أن لا تحل الرواية عن كافر!! فإن جوز الرسول الرواية عنهم وهم كما ذكرت له، فمن باب أولى أن أقبل الكذاب المسلم في ما روي عنهم فهم أفضل حالاً من الناقل الأصلي للرواية المحكية عنه.
ألم يمرّ عليك قول الأئمة: (يُكتب حديثه ولا يُحتجّ به)؟ وهل الرواية عن أهل الكتاب تعني الاحتجاج بهم!
كما يرد على ما تفضلت به، قول الخطيب البغدادي وهو من أهل الحديث كما تعلم حين قال " وأما أخبار الصالحين، وحكايات الزهاد والمتعبدين، ومواعظ البلغاء، وحكم الأدباء، فالأسانيد زينة لها، وليست شرطا في تأديتها"
وهل تقيسُ أحاديث الأنبياء على أخبار الأدباء والبلغاء والمتعبدين والزهاد والصالحين! أفإن رُوي في الأنبياء حديث مرفوع وفي سنده راوٍ كذابٌ يُرَدّ الحديث، أمّا إن رُوي أثر عن كعب أو وهب أو غيرهما وفي سنده راوٍ كذّابٌ يُمرَّر الأثر ولا يُطعن فيه! أهذا ما تناقش فيه أخي الكريم؟
هلا أوردت لي عن العلماء المتقدمين أو المتأخرين (ولا تنقل لي من المعاصرين) من يرد الأخبار أو الإسراثيليات لعلل في السند إن كان ما روي لا محذور فيه؟
إذا كنتَ لا تعتبر قول الذهبي الصريح: ((في إسناده عبد المنعم بن إدريس وقد كذب)) قدحاً في الحديث، أفتقتنع بما وراء ذلك؟
.. ويبقى السؤال: إذا جاء أحدُ الوضّاعين وصنع دعاءً ونسبه زُوراً إلى أحد الأنبياء، فهل تقبله مِنه؟
نفعنا الله بما علّمنا وأعزّك بعزّه وأجرى الحقّ على لسانك
¥