تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- خامساً: كلامُ الأئمة صريحٌ وواضحٌ بأنّ عبد المنعم بن إدريس كان يكذب على وهب فينسب إليه أخباراً وآثاراً مختلقة لم يقلها وهب، ثم يُسندها عن أبيه إدريس كذباً أيضاً وهو إنما وُلد بعد موت أبيه! فهذا صنيعٌ كله كذب في كذب. فكيف تأتي بعد كلّ هذا مدافعاً عنه لتقول إنّ الأمر لا يعدو كونه "دَلَّسَ" عن أبيه! فماذا أصنعُ بقول البخاري: ((ذاهِب الحديث)) وقول أبي زرعة: ((واهي الحديث)) وقول الذهبي: ((ساقط الحديث)) وقول يحيى بن سعيد: ((الكذاب الخبيث)) وقول ابن حبان: ((كان يضع الحديث))؟ كيف أجدك تنبري مدافعاً لتنفي عنه الكذب والوضع! لماذا؟ سامحني .. لا أخفيك تعجّبي مِن قولك!

لا أدافع عن الكذب والوضع، وقد وضحت لك مراد الأئمة من قولهم فيه ما سبق.

وأصرح لك الان حتى لا يسائ فهمي، أني لا أقبل له حديثاً واحداً ينسبه لصحابي أو للرسول صلى الله عليه وسلم لأن ما سينقل عنهم له أحكام ودلالات شرعية، لذا فلا يعتبر بحديثه على الإطلاق، وهذا كان مقصود الأئمة فيه. أما ما نقله من أخبار وقصص عن الأمم السابقة في أخبار في أخبار لا يجزم بصدقها ولا نكذبها إلا إن وجدنا في متنها محذور شرعي، لذا نأخذها دون تصديق ولا تكذيب وإنما من باب العبرة والإعتبار.

ألم يمرّ عليك قول الأئمة: (يُكتب حديثه ولا يُحتجّ به)؟ وهل الرواية عن أهل الكتاب تعني الاحتجاج بهم! لا بد التفريق بين مصطلحات الأئمة وتنزيلها على مرادهم، لا تعميمها، ولا ريب. فالرواية عن أهل الكتاب شئ والإحتجاج بهم شئ أخر، ولم نحتج بهم لثبوت النص بعدم التصديق أو التكذيب (إن لم يكن هناك محذور شرعي في ما يقولونه)، لكننا نجوز الرواية عنهم لثبوت الخبر أيضاً بالتحديث عنهم في أخبارهم.

وهل تقيسُ أحاديث الأنبياء على أخبار الأدباء والبلغاء والمتعبدين والزهاد والصالحين! ما ذكره الخطيب يشمل أخبار بني إسرائيل وأنبيائهم فالصالحين وصف يشمل أنبيائهم وعبادهم أيضاً.

أفإن رُوي في الأنبياء حديث مرفوع وفي سنده راوٍ كذابٌ يُرَدّ الحديث، أمّا إن رُوي أثر عن كعب أو وهب أو غيرهما وفي سنده راوٍ كذّابٌ يُمرَّر الأثر ولا يُطعن فيه! أهذا ما تناقش فيه أخي الكريم؟ إن كان ما روي يُنسب إلى النبي المصطفى أو أحد صحبه ممن لم يعرف بنقله أخبار بني إسرائيل فيرد الحديث بلا خلاف. أما إن ورد الخبر عمن عرف بنقله أخبار بني إسرائيل أو على أنه من أخبار بني إسرائيل، فلا بأس بالأخذ به، ما لم يوجد في الخبر ما يخالف نصاً أو أصلاً عندنا. وهذا وجه تفريقي ولا أعني بجواز الرواية التصديق، فها لا يلزم على الإطلاق، لذا لم يشترط أهل العلم السند في ما كان في هذه الأخبار لأنها من باب الأخبار والمواعظ.

إذا كنتَ لا تعتبر قول الذهبي الصريح: ((في إسناده عبد المنعم بن إدريس وقد كذب)) قدحاً في الحديث، أفتقتنع بما وراء ذلك؟ راجع ما سبق، فضلاً لا أمراً.

.. ويبقى السؤال: إذا جاء أحدُ الوضّاعين وصنع دعاءً ونسبه زُوراً إلى أحد الأنبياء، فهل تقبله مِنه؟

إن أتى الخبر بسند صحيح مثل الشمس إلى وهب بن منبه، ثم قال حدثنا اليهودي بكذا وكذا عن بني إسرائيل، فهل تعمل قواعد أهل الحديث على هذا الخبر فترده لأن ناقل الخبر يهودي كافر معروف بالكذب والوضع، ولا يصح الرواية عن كافر أو كذاب مما هو معلوم لديكم؟ أم تجوز الرواية عنه بالرغم من ذلك؟ أظن إجابتك أنك ستجوز الرواية عنه بلا ريب بالرغم من تيقنك من كذبهم.

لذا أقول: لو أتى الخبر بلا سند لقبلته أصلاً بلا تصديق أو تكذيب ما زال أن متن الدعاء لا مشاحة فيه. فإن قبلت خبر اليهودي وهو أكذب أهل الأرض في ما خصهم، دون تصديق أو تكذيب، فمن باب أولى أن أقبل خبر المسلم الكذاب في ما نقله عن من هو أكذب منه فقط في هذا الباب.

نفعنا الله بما علّمنا وأعزّك بعزّه وأجرى الحقّ على لسانكآمين، هدانا الله وإياك إلى الحق

والله أعلم وأحكم

ـ[أبو بشر الغامدي]ــــــــ[15 - 10 - 09, 03:51 م]ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير