وليس غرضي هنا بيان مذهب الإمام مالك في أصول الدين ولا الترجمة له والتعريف به ولا جمع آرائه الفقهية
والأصولية، فذاك قد كتب فيه العلماء الكثير ووضحوا وبينوا وجمعوا وأفادوا فجزاهم الله عنا خيراً.
العبد الفقير لله الغني
أخوكم الصغير أبو زرعة حازم
بين يدي الكلام
((قال الشافعي: "العِلمُ يدور على ثلاثة: مالك، والليث، وابن عيينة".
وروي عن الأوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكاً يقول: "عالم العلماء، ومفتي الحرمين".
وعن بقيّة أنَّه قال: "ما بقي على وجه الأرض أعلم بسنّةٍ ماضية منك يا مالك".
وقال أبو يوسف: "ما رأيت أعلمَ من أبي حنيفة، ومالك، وابن أبي ليلى".
وذكر أحمد بن حنبل مالكاً فقدّمه على الأوزاعي، والثوري، والليث، وحماد، والحَكم، في العلم، وقال: "هو إمام في الحديث، وفي الفقه".
وقال القطّان: "هو إمام يُقتدى به".
وقال ابن معين: "مالكٌ من حُجج الله على خلقه".
وقال أسد بن الفرات: "إذا أردتَ الله والدارَ الآخرة فعليك بمالكٍ".
بيان أهميّة القواعد وعظم نفعها
لا ريب أنَّ معرفةَ القواعد والأصول والضوابط الكليّة الجامعة يُعدُّ من أعظم العلوم وأجلِّها نفعاً وأكثرها فائدةً،
ذلك أنَّ "الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان والأصول للأشجار لا ثبات لها إلاّ بها، والأصول تبنى
عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوّى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى وينمي نماءً مطَّرداً، وبها
تُعرف مآخذ الأصول، وبها يحصل الفرقان بين المسائل التي تشتبه كثيراً، كما أنَّها تجمع النظائر والأشباه التي من جمال العلم جَمعُها" إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة والمنافع الجليلة التي لا تحصى.
بل إنَّ "من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجلالها: أنَّ أحكامَها الأصوليَّة والفروعية والعبادات والمعاملات وأمورها كلّها لها أصولٌ وقواعدُ تَضبِطُ أحكامَها وتَجمعُ مُتفرِّقَها وتَنشر فروعَها وتَردُّها إلى أصولها".
والقاعدة: هي أمرٌ كلّيٌّ ينطبق على جزئيّاتٍ كثيرةٍ تُفهم أحكامُها منها.
فإذا ضُبطت القاعدةُ وفُهم الأصلُ أمكن الإلمام بكثيرٍ من المسائل التي هي بمثابة الفرع لهذه القاعدة، وأُمن
الخلطُ بين المسائل التي قد تشتبه، وكان فيها تسهيلٌ لفهم العلم وحفظه وضبطه، وبها يكون الكلام مبنياًّ على علمٍ متينٍ وعدلٍ وإنصافٍ.
ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "لا بُدَّ أنْ يكون مع الإنسان أصولٌ كليّةٌ تُردُّ إليها الجزئيّات؛
ليتكلّم بعلمٍ وعدلٍ، ثمّ يعرف الجزئيّات كيف وقعت، وإلاّ فيبقى في كذبٍ وجهلٍ في الجزئيّات، وجهلٍ وظُلمٍ في
الكليّات فيتولّد فسادٌ عظيمٌ".
لأجل هذا عُني أهل العلم كثيراً بوضع القواعد وجَمعها في الفنون المختلفة، فلا تكاد تجد فناًّ من الفنون إلاّ وله
قواعدُ كثيرةٌ وضوابطُ عديدةٌ تَجمع مُتَفرِّقَه، وتُزيل مشتَبهَه، وتُنير معالمَه، وتُيسِّر فهمَه وحِفظَه وضبطَه، "ويحصل بها من النفع والفائدة على اختصارها ما لا يحصل في الكلام الطويل" ولهذا فإنَّه يترتَّب على العناية بالقواعد المأثورة والأصول الكليّة المنقولة عن السلف الصالح - رحمهم الله - من الفوائد والمنافع ما لا يعلمه إلاّ الله؛ لأنَّ فيها كما يقال وضعُ النقاط على الحروف، وفيها تجليةٌ للأُمور، وتوضيحٌ للمسائل، وإزالةٌ للّبْس، وأَمْنٌ من الخَلْط، إلى غير ذلك من الفوائد.)). [من بحث الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله]
كلام الإمام مالك رحمه الله في العلم والعمل
جُنَّة العالم: " لا أدري " فإذا أغفلها أصيبت مقاتله.
قال ابن وهب: لو شئت أن أملا ألواحي من قول مالك: " لا أدري " لفعلت.
قال الهيثم بن جميل: سمعت مالكاً سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بـ " لا أدري ".
وعن خالد بن خداش، قال: قدمت على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل.
ابن وهب، عن مالك، سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: " لا أدري ". حتى يكون ذلك أصلا يفزعون إليه.
قال ابن عبد البر: صح عن أبي الدرداء أن: " لا أدري "، نصف العلم.
قوله رحمه الله:
كل أحد يؤخذ من قوله، ويترك، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.
قال ابن وهب: قال مالك:
العلم حيث شاء الله جعله، ليس هو بكثرة الرواية.
¥